اللاجئون الفلسطينيون الشباب في لبنان ضحايا عصابات تهريب البشر

اللاجئون الفلسطينيون الشباب في لبنان ضحايا عصابات تهريب البشر

مشهد عام لجانب من مخيم شاتيلا جنوب بيروت-مهاجر نيوز

عند الحديث عن موضوع اللاجئين في لبنان، يبرز مباشرة اللاجئون الفلسطينيون هناك، الذين يعتبرون أقد اللاجئين وأكثرهم انتشارا عبر العالم.

فلسطينيو لبنان يعانون منذ عقود من سياسات وإجراءات رفعت من مستويات تعقيدات حياتهم بشكل كبير. فالشباب منهم، والذين يشكلون أكثر من 50% من تعدادهم، عالقون اليوم بين فكي كماشة البطالة أو الهجرة.

"أمجد" أحد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شاتيلا، حاول الهرب من لبنان والهجرة إلى أوروبا أكثر من مرة، إلا أنه لم يفلح حتى الآن.

مدخل مخيم شاتيلا جنوب العاصمة اللبنانية بيروت على حاله منذ سنين طويلة، باعة خضار ومارة وباعة متجولون، اكتظاظ سكاني كبير في منطقة تعتبر من أفقر المناطق المحاذية لبيروت.

السير في أزقة المخيم يكشف الكثير من المآسي التي عانى منها سكانه منذ عشرات السنين. البنى التحتية شبه معدومة، البناء عشوائي، لا أمكنة مناسبة للأطفال. يضاف إلى كل ذلك حزمة من القوانين والإجراءات اتخذتها الدولة اللبنانية، اعتبرها اللاجئون الفلسطينيون هناك موجهة ضدهم، لعل أهمها وأشهرها التعديلات على قانون العمل التي فرضت على أصحاب المصالح شروطا يصفونها بشبه التعجيزية مقابل توظيف أي فلسطيني.

وجاءت الحرب في سوريا لتزيد الوضع تعقيدا في تلك المناطق، حيث لجأ في البداية عدد كبير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين السوريين إلى المخيمات الفلسطينية تحديدا، لرخص الإيجارات فيها بشكل أساسي.

زياد حمو، عضو اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا، قال لـ"مهاجر نيوز"، إن التعداد الأخير الذي قامت به اللجنة أفاد بأن عدد سكان المخيم حاليا "يتراوح بين 22 و25 ألف نسمة، ثمانية آلاف منهم فقط من الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا".

هذه الأرقام تعطي صورة عن الضغط السكاني الكبير الذي يتعرض له المخيم، والذي يعكس نفسه على مناحي الحياة اليومية كافة، وأهمها فرص العمل النادرة أصلا.

بين فكي كماشة

شبان المخيمات الفلسطينية في لبنان يشعرون أنهم عالقون بين فكي كماشة، البطالة أو الهجرة. فمن يحالفه الحظ ويتابع تعليمه الجامعي، لا يتمكن في معظم الحالات من مزاولة المهنة التي درسها، فتجد أن الطبيب يعمل كدهان والمهندس كسباك والمحامي كسائق أجرة. أما الأغلبية الباقية فتقع ضحية البطالة.

خيارين بالنسبة لهم أحلاهما مر، خاصة وأن شروط الهجرة، لمن ينوون الخوض فيها بشكل شرعي، لا تنطبق على الأغلبية الساحقة منهم.

ويقول اللاجئ "أمجد"، وهو شاب فلسطيني من سكان شاتيلا يبلغ من العمر 28 عاما: "حلمي أن أعيش حياة طبيعية".

وأضاف: "أنا ولدت لاجئا، لا أعرف كيف يمكن تفسير ذلك. منذ صغري تعلمت أنني مختلف عن أقراني اللبنانيين. لم أكن أعرف لماذا، ولكنه شعور يراودك مدى حياتك".

وتابع "درست وتعلمت وتخرجت بدرجة جيد جدا من الجامعة العربية، حينها كنت مليئا بالأمل والأحلام. ولكن سرعان ما تحطمت أحلامي على صخور الواقع، أربع سنوات وأنا ملازم المنزل، لا عمل ولا حتى بصيص أمل لأشغل نفسي بشيء آخر".

سماسرة التهريب

في 2015 عقد أمجد عزمه، الهجرة هي الحل الوحيد أمامه. "ببحث بسيط تمكنت من الوصول إلى أحد المهربين، لناني مقيم في منطقة قريبة من المخيم. وعدني بإيصالي إلى إسبانيا عبر السودان ثم ليبيا ثم المغرب ثم إسبانيا. صور لي الموضوع على أنه سهل، صدقته، أردت الخروج من دوامة الحياة في لبنان. طلب ثلاثة آلاف دولار، كان معي ألف واحدا فقط، أعطيته 500 دولار ليبدأ بالإجراءات... لاحقا اختفى السمسار، لم يعد يأت إلى مكان عمله، واختفت معه الدولارات الـ500".

"المحاولة الثانية كانت بعد نحو ستة أشهر، أحد السماسرة وعدني بتأمين سفري إلى تركيا، على أن أتدبر أنا أموري من هناك للعبور إلى اليونان. التقيت به بمقهى بالقرب من السفارة التركية، كان يبدو عليه أنه معروف هناك. وثقت به وأعطيته 500 دولار كدفعة أولى، من أصل مبلغ 1500. استمر على اتصال بي لمدة شهر، وعود تليها وعود، إلى أن اتصل بي في أحد الأيام وهددني بأنني إذا اقتربت من السفارة فسيؤذيني. تيقنت أنني خضعت للنصب مرة ثانية".

محاولات أمجد عديدة، في إحدى المرات عام 2018، تمكن فعلا من الصعود على متن قارب كان سينطلق من طرابلس إلى قبرص. إلا أنه ما أن بدأت الرحلة حتى ضبطتهم دورية للجيش اللبناني. "سجنت مع الآخرين خمسة أيام ثم أطلق سراحي".

إسطنبول.. نهاية المغامرة

"سماسرة التهريب هنا من جنسيات مختلفة، لبنانيون وفلسطينيون وسوريون وليبيون... جميعهم مصاصي دماء، لا يأبهون لأمر من يقومون بتهريبهم. في نهاية 2018، أحد السماسرة وعدني بإيصالي إلى الدنمرك، لن أطيل عليك الحكاية، استمرت رحلتي ثلاثة أشهر، جلت خلالها على السودان والصومال وتركيا وأرمينيا وغانا، رأيت الويل. في مطار إسطنبول انتهت مغامرتي، كان من المفترض أن أصعد إلى طائرة متوجهة إلى مدريد، موظفة المطار منعتني من الصعود للطائرة كوني أمتلك وثيقة سفر لا تخولني السفر عبر الترانزيت. أقلعت الطائرة وبقيت في المطار، ممنوع من دخول تركيا وممنوع من السفر".

في المطار تعرفت على الكثير من الأشخاص ممن يشاركوني تفاصيل معاناتي، فلسطينيين وسوريين ومصريين وأفغان والكثير الكثير من الجنسيات. بقيت هناك أسبوعين، إلى أن تمكن أهلي من جمع المال الكافي لإعادتي إلى لبنان. في الليل كنت أنزوي وحيدا وأبكي، استسلمت، كل ما كنت أطمح إليه هو رؤية أمي وعائلتي مرة أخرى".

"عائلتي غمرتني بكل الحب لدى عودتي إلى لبنان، إلا أنني كنت مهزوما ومكسورا. كل ما أردته هو الوحدة، العزلة. بقيت حبيس غرفتي ستة أشهر، لم أكلم أحدا خلالها إلى أن قررت أن الأوان قد حان لمتابعة حياتي".

"بعد كل ذلك، بت خبيرا بسماسرة التهريب، أعرف العشرات منهم، كما أعرف طرقهم وأساليبهم. وبات شغلي الشاغل الآن حماية شباب المخيم الآخرين، ممن يريدون الهجرة من الوقوع ضحايا لتجار البشر هؤلاء، أقوم بتوعيتهم وتحفيزهم على ضمان رحلاتهم قبل أن يخطو أي خطوة خارج منازلهم".

"مازال حلم الهجرة يداعب أحاسيسي، أريد السفر والعيش في بلاد تحترمني لما أنا عليه. أريد أن أحظى بفرص عادلة ومتساوية مع الآخرين. لا أريد أن أحيا بعبء هويتي التي أحملها، والتي أنا فخور جدا بها، ولكن إلى متى سأبقى لاجئا وإلى متى سأبقى أنظر إلى سنين حياتي تمر وأنا عاجز عن تحقيق شيء خلالها؟".

المصدر/ مهاجر نيوز

رابط مختصر : http://bit.ly/3aATU2D