نور الشرفا.. مسنة لاجئة تروي ذكريات رمضان قبل النكبة

نور الشرفا.. مسنة لاجئة تروي ذكريات رمضان قبل النكبة

مواطنون فلسطينيون في أراضيهم الزراعية قبل نكبة عام 1948م-صورة أرشيفية

في يوم المفتول كانت تجتمع النسوة في بيت إحدى الجارات، ويفتلن حباته من ساعات الصباح الباكر ليومهن الرمضاني، ثم يبدأن صنع "يخني" الدجاج البلدي على بابور "الكاز" الذي كانت رائحته تفوح بين جنبات المخيم الذي تسكنه المسنة "نور الشرفا"، ويكون طبق إفطار كل بيت فيه في ذلك اليوم.

وما إن ينتهين من طعام الإفطار وغسل أوانيه، ينطلقن نحو بيت إحدى الجارات التي جاء دورها في "الاستقبال"، هكذا طوال الأسبوع في رمضان وغيره، إذ تتفنن بتقديم أشهى الحلويات لهن بدءًا من القطائف حتى مهلبية الحليب وقمر الدين، والكعك والمعمول، وليس انتهاء بالمطبق. "الشرفا" (70 عامًا) هجرتها العصابات الصهيونية مع أهلها من مدينتها الأصلية بئر السبع إلى مدينة رفح حيث استقر والدها التاجر سنوات، قبل أن ينتقل إلى مدينة غزة ويتزوج من إحدى عائلتها ويستقر فيها.

أزمة المخيم

بعد أذان الظهر تبدأ مشاهدة منظر "فروش العجين"، وصواني أقراص السبانخ، واللحم وعجين، والمطبق، والدجاج البلدي مع الخضار، وفخار أرز القدر، تعلو رؤوس الأطفال والشباب، يجوبون أزقة المخيم قاصدين فرن الحطب في رفح.

وفي نهار رمضان كان نسوة المخيم يحملن جرار الماء على أكتافهن، سيرًا على الأقدام مسافات طويلة قاصدات بئر ماء، يعبئن "الزير" منها، فلم تكن هناك صنابير للماء في البيوت، حيث يستخدمن الماء في الطبخ والغسل وتنظيف المواعين، وفق حديث الشرفا.

لم يكن في ذلك الوقت ثلاجات لحفظ الطعام، فكانت والدة نور وجميع ربات البيوت يبتكرن طريقة تمنع الطعام من التلف بوضع ما تبقى من الأكل في طنجرة وتحتها صينية بها ماء في مكان مظلم بعيد عن الشمس، أو يضعنها على رفوف مقامة داخل جدار البيت.

الكل يشارك

وقديمًا لم يكن هناك تلفاز يضج بالمسلسلات، وإنما مذياع تمتلكه العائلات الغنية، فيجتمع بعد الإفطار أبناء المخيم لسماع المسلسلات والبرامج الرمضانية التي يبثها، كما تقول.

ولطبيعة عمل والد "الشرفا" بالتجارة كان يسافر إلى لبنان وسوريا، فكان يأتي بالمجلات والكتب والروايات لكي يثقف أبناءه، ومنها كانت الأخت الكبرى لها تتعلم وصفات حلويات إحدى المجلات وتطبقها في رمضان، مثل أصابع زينب. وجبة السحور المكونة من مربى قمر الدين والحلاوة والعسل، والجبن، ومربى القراصيا لم تكن مقتصرة على الكبار فقط، بل كان والدا "الشرفا" يوقظان أطفالهما الصغار قبل الكبار ليشاركوهما في الطعام، لتعويدهم الصيام في نهار رمضان.

ولم تكن هناك أكلة معينة مرتبطة بأول يوم من رمضان كـ"الملوخية"، فكانت ربات البيوت يصنعن طعام الإفطار حسب موسم الخضار الذي يختلف في فصل الشتاء عنه في الصيف، مؤكدة أن خضار الموسم طيبة النكهة وذات مذاق ألذ، مما لو تنضج في غير موسمها مثل هذه الأيام.

بعد الإفطار كان أطفال المخيم يحملون الفانوس الذي صنعوه من علبة صفيح أحدثوا بها ثقوبًا بمسار وحجر، ثم وضعوا به شمعة، وربطوه بسلك من جانبيه ليستطيعوا حمله، لينير لهم أزقة المخيم؛ فلا كهرباء ولا أنوار ملونة كاليوم. كانت "نور" مع أطفال المخيم يؤرجحون فوانيسهم بعد الإفطار، ويطرقون البيوت وهم يغنون "حالو يا حالو.. رمضان كريم يا حالو.. بقشيش"، ويحصلون على ما لذ وطاب من الحلويات والسكاكر والمسليات أو بعض من القروش المصرية. ثم يحملونها متوجهين نحو الأراجيح يقضون ساعات طويلة في اللهو واللعب بها حتى منتصف الليل، ثم يعودون إلى البيت في كثير من الأحيان يقاومون النوم ليبقوا مستيقظين حتى يأتي المسحراتي ويخرجوا لرؤيته. وكانت "نور" تقضي ليل رمضان في لعب الألعاب الشعبية: (ابن الجمال، والكراسي، والحجلة)، أو يصنعون من نواة المشمش صفارة.

بتنهيدة حنين نحو أيام زمان، تعبر "الشرفا" عن اشتياقها لعيش تلك الأيام.

المصدر/ فلسطين أون لاين

رابط مختصر : http://bit.ly/2WEr8YP