الفلسطينيون ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان: إرادة الحياة تصنع الأمل والعمل

الفلسطينيون ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان: إرادة الحياة تصنع الأمل والعمل

صورة تعبيرية

لم تتمكن الإعاقة الجسدية، من الحد من آمال وطموح 5400 فلسطيني وفلسطينية من ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، فقد واجهوها بالإرادة القوية، والتصميم على متابعة الحياة بشكل طبيعي واستطاعوا بإرادتهم الصلبة أن يصنعوا الأمل والعمل.

وقدرت “هيئة الإعاقة الفلسطينية” في بيروت، عدد الفلسطينيين ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان بخمسة آلاف وأربعمئة شخص، يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة، ويحرمون من معظم الحقوق. ولا يسري عليهم القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات في لبنان والعالم، ويعتمدون بشكل رئيسي في تأمين احتياجاتهم على تقديمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وهيئات فلسطينية ودولية أخرى.

وضع قانوني معقد

وأشارت الهيئة في تقرير حديث إلى أن انتشار فيروس كوفيد -19 ضاعف من معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة الفلسطينيين في لبنان وكشفت على أنهم يعتمدون في التعليم الأساسي على مدارس “الأونروا” باعتبارهم أجانب، وفي الصحة والتأهيل، يتم حرمانهم من الإفادة من الخدمات الصحية الرسمية المناسبة، ويحصلون على ما تقدمه “الأونروا” وبعض الجمعيات الأهلية.

كذلك فإن برامج الوقاية والتأهيل لا تملك الموارد المناسبة للاستمرارية، والعمل على مستوى التنمية الشاملة، لأسباب تتعلق بالوضع القانوني المعقد، ويطغى على هذه البرامج طابع العمل الإغاثي المؤقت.

ويعاني ذوو الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم الأطفال، من حواجز تجعل من الصعب عليهم المشاركة في مجتمعاتهم. وغالبا ما يتم استبعادهم من الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والتوظيف، وعند حدوث أزمات، فمن الأرجح أن يتخلفوا عن الركب. للاستمرار في توفير التعليم لأطفال لاجئي فلسطين، بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة، تلقى المتعلمون في مدارس الأونروا دروسا عن بعد، فيما قدم معلمو التربية الخاصة الدعم للآباء وللطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، قدر الإمكان لمواصلة التعلم الذاتي في المنزل.

عليا عزام فلسطينية من ذوي الاحتياجات الخاصة، من مخيم عين الحلوة في لبنان أكدت لـ”القدس العربي” أن إرادة الحياة لدى ذوو الاحتياجات الخاصة كانت أقوى من اليأس والاكتئاب والانعزال ومحاولات التهميش والاهمال. وأضافت، إرادة الحياة حولت الإعاقة الجسدية إلى دافع للعمل والإنتاج والاندماج في المجتمع بكل تفاصيله اليومية.

وردا على سؤال حول أهم ما يواجهه الفلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة قالت، إلى جانب ما يعانيه اللاجئ الفلسطيني في لبنان من حرمان وقهر وإذلال ، فمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة مضاعفة، الدوائر اللبنانية لا تتعامل معه كاللبناني، هذا إلى جانب أن هناك الكثير من عقبات قانونية واجتماعية، أبرزها عدم السماح لهم بالعمل، كما أن المدارس والجامعات غير مؤهلة لاستقبالهم، بالإضافة إلى أن لا مساعدات مادية تخفف عنهم أعباء الحياة القاسية في لبنان.

ورغم ذلك، أكدت عزام، أن الفلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يقف أمام هذه العقبات التي تدفعه لليأس والاحباط، بل حاول الاندماج في المجتمع وانطلق للعمل، وعمل في صناعة القطع التراثية والرسم على الزجاج، والتطريز وصنع الإطارات الخشبية، والتخطيط، وغرافيك ديزاين وغيرها، وأتقنت الفتاة فن تطريز التراث الفلسطيني، وصناعة الورد، والسجاد، والعمل على النول وشك الخرز.

الامكانات الخلاقة

رفع ذوو الاحتياجات الخاصة عند مدخل مؤسسة “الكرامة” للمعوقين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، لافتة كتب عليها “لا يأس مع حياة ولا حياة مع اليأس”. قاعات المؤسسة تشهد حركة عمل ملفتة، التقينا المشرف على المؤسسة خالد الخطيب، وعددا من الشباب والشابات من ذوي الاحتياجات الخاصة، للتعرف إلى الأنشطة والمجالات التي تعمل بها خلايا النحل اليومية هذه.

للوهلة الأولى لا يمكن أن تلحظ أنك أمام حالات خاصة، فالكل يعمل بجد وحيوية، وكأن الحياة منحتها كل الطاقات والإمكانات الخلاقة، وكل فرد ينشط في مجاله، يسعى لتطوير مجال تخصصه، ويقدم أفضل ما لديه ليخرج العمل متقناً.

وداخل المؤسسة، جلست فتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة: ليلى طه، وسمر المقدح، وهيام مرر، وايمان شهابي، حول طاولة يعملن بنشاط ملحوظ لتطريز القطع القماشية والملابس، بأشكال فولكلورية وتراثية فلسطينية. إرادة الحياة تبدو بحركة سواعدهن المتنقلة بين الخيط والإبرة وقطعة القماش، عشرات القطع التراثية وملابس فولكلورية فلسطينية تم تجهيزها وضعت على طاولة أخرى بانتظار نقلها إلى المعارض والأسواق.

نظرة دونية

قالت ليلى طه، اندماج المعوق بالعمل، هو اندماجه بالمجتمع، وللأسف أن المجتمع ما زال ينظر لذوي الاحتياجات الخاصة نظرة دونية، ويحرمه من الاندماج والعمل والتعاون، فانطلقنا للعمل أولا لنؤكد لمجتمعنا أننا قادرون على العمل والعلم والإنتاج والحياة وثانيا، حتى نتمكن من خلال هذا العطاء أن نطالب بحقوقنا وتوفير تسهيلات لحياة أفضل.

وأضافت طه، نشارك في معارض محلية وعالمية ونعرض منتوجاتنا وصناعاتنا الحرفية والتراثية والرسم والتطريز. وأكدت أن معظم المنتوجات والصناعات الحرفية واليدوية هي تراثية، وفولكلورية، نرسم فلسطين حتى تبقى في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال القادمة.

ولفتت إيمان شهابي (34 عاماً) إلى “أنني أعمل منذ مدة ليست بعيدة، حوالي 6 أشهر، ونوع عملي هو شك الخرز، وهذا العمل يتضمن القلادات – حلى – أساور – مفارش”.

وأضافت: “في البداية كانت الفكرة مجرد هواية، ومع مرور الوقت أصبحت اتقن العمل، وتحول من مجرد هواية إلى احتراف، شاركت في عدة معارض داخل وخارج المخيمات بعمل فردي خاص، ضمن مؤسسات المجتمع المحلي”.

وتقول إن المؤسسات المنتجة الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، أثبتت أن الإعاقة لا يمكن أن تكون عامل تعطيل الطاقات الداخلية المبدعة، فهي أكدت أن الإنسان قادر على العطاء، ليقدم ذاته ونتاجه للمجتمع، بشكل يحوز على التقدير والإعجاب.

في قاعة أخرى داخل مؤسسة الكرامة، جلس محمد الصالح يعمل في شك وتصنيع الخرز والشالات الصوفية وصناعة الحلي والعقود والأساور، تراقص أصابعه الخرز والخيطان بطريقة حرفية عالية، تتحرك يديه كالآلة السريعة، يبتسم لـ”القدس العربي” ويقول، أنا أنسان معوق لكني أحب الحياة، وأحب الإنتاج والعمل ، حتى لا يبقى المجتمع ينظر لي نظرة دونية، حقوقي وقيمة حياتي لا تقل عن حياة أي إنسان سوي، أفكر وأعمل وناشط، وأنتج وأبيع منتوجاتي وأشارك بمعارض، أحمل اسم فلسطين من خلال ما أصنعه بيدي ويوزع على المعارض التراثية، أليس من حقي الحياة كباقي البشر؟

بالإضافة إلى الإنتاج اليدوي لدى ذوي الاحتياجات الخاصة، هناك عامل نفسي لا يقل أهمية عن ذلك، حيث يقدم هؤلاء الأشخاص أنفسهم لبيئتهم وللعالم، حيث يؤكدون أنهم قادرون على فعل ما قد يصعب على الكثير من الأصحاء، وهذا له دلالة نفسية بالغة، وعليه لا بد من دعم وتقوية مثل هذه المراكز في المخيمات الفلسطينية، لاحتضان هذه الحالات ورفع مستواها المهني، لتكون قوة فاعلة ومنتجة في مجتمعها.

قال الشباب نضال موسى (25 عاماً) من مخيم مار الياس قرب بيروت، لـ”القدس العربي”: “أعاني من إعاقة جسدية (شلل نصفي) منذ صغري نتيجة إصابة خلال المعارك التي شهدها المخيم” موضحا  أن “عملي هو مشغل الشباب بالحفر على الزجاج، وبراويز الخشب والرش بالرمل، حيث كان العمل بالأشياء الفنية مجرد هواية لي، لكنها تطورت مع مرور الوقت، وأصبحت احترافاً ومهنة اعتاش منها، ثابرت على الاستمرار والتقدم، ومتابعة كل جديد لكي أتمكن من إتقان العمل بشكل أفضل”.

وتعتبر وكالة “الأونروا” المرجعية الصحية لجميع الأشخاص الفلسطينيين من ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، وتجدد الوكالة الأممية التزامها بتعزيز حقوق لاجئي فلسطين وذلك من خلال برامجها وخدماتها وبتمكينهم من المشاركة بالكامل في القرارات التي تؤثر على حياتهم.

وأعلنت الوكالة أنها تعمل من أجل الترويج لفهم قضايا الإعاقة وحشد الدعم من أجل كرامة وحقوق ورفاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة خاصة مع انتشار فيروس كورونا بصورة تهدد حياة ومستقبل الأشخاص الفلسطينيين ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأضافت “الأونروا” في تقرير لها، إن إدماج الإعاقة يعد شرطا أساسيا للتمسك بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة والسلام والأمن. وحتى في الظروف العادية، فإن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة هم أقل احتمالا للوصول إلى سبل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف والمشاركة في المجتمع.

يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة من التهميش، ويعانون أكثر في حالات الطوارئ الإنسانية، وهذا يحتم التغير وينبغي أن تكون احتياجاتهم جزءا لا يتجزأ من أي تطور فاعل واستجابة إنسانية.

المصدر/ القدس العربي

رابط مختصر : http://bit.ly/38Y1PXD