عائلة الصباغ الفلسطينية تحت طائلة التهجير الثاني

عائلة الصباغ الفلسطينية تحت طائلة التهجير الثاني

اللاجئ الفلسطيني محمد عبد الرزاق الصباغ-الأناضول

امتلكت عائلة محمد عبد الرزاق الصباغ بناية ومنزلا كبيرا في مدينة يافا، شمالي فلسطين المحتلة، قبل أن تنتقل إلى القدس الشرقية إثر نكبة العام 1948.

ومنذ سنوات، تخشى العائلة، التي باتت مكونة من 5 أسر تضم 32 نفرا، تهجيرا جديدا بعد تلقيها قرارات إخلاء متتالية من جماعات استيطانية من المنزل الذي تقيم فيه منذ العام 1956 في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.

وقال الصباغ في حديث إلى "الأناضول" في منزله بالشيخ جراح: "قدمت عائلتنا إلى القدس من يافا بعد حرب 1948 حيث كان لنا أقارب في حي وادي الجوز، ومكثنا عندهم حوالي 8 سنوات حتى العام 1956. وفي ذلك العام أنشأت الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) 28 وحدة سكنية لصالح اللاجئين، فأقمنا فيها".

وأضاف: "عائلتي كانت تقيم في حي العجمي في يافا قبل عام 1948، وكانت تمتلك منزلين في الحي، إضافة إلى بيارة (مزرعة حمضيات) مساحتها حوالي 250 دونما في يفنا، وهي بلدة فلسطينية مهجرة عام 1948. وكان جدي من أكبر تجار الفاكهة والحمضيات في يافا".

وتابع الصباغ: "قام ما يسمى بحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي ببيع المنزلين والأرض، المنزل الأول مكون من 3 طوابق تضم 6 شقق سكنية، أما المنزل الثاني فمكوّن من طابق واحد، وفي العام 2006 نقله حارس أملاك الغائبين إلى جمعية إسرائيلية حولته إلى كنيس".

وبموجب القانون الإسرائيلي، لا يحق للصباغ المطالبة باسترداد أملاك عائلته في يافا ويفنا، تماما كما هو الأمر بالنسبة إلى كل اللاجئين الفلسطينيين الذين اضطروا لترك منازلهم وعقاراتهم إثر نكبة العام 1948.

ولكن قانونا سنه الكنيست الإسرائيلي في العام 1970 سمح لليهود للمطالبة بعقارات في القدس الشرقية يقولون إنها كانت بملكية يهودية قبل العام 1948.

وقال الصباغ: "كنا نعيش في أمان وهدوء حتى عام 1967 حينما وقعت الحرب وجاء الاحتلال الإسرائيلي. وفي العام 1972 خرجت علينا جمعيتان استيطانيتان زعمتا أنهما أصحاب الأرض التي تقوم منازلنا عليها".

وأضاف: "يدّعي هؤلاء أن لديهم وثيقة منذ العام 1875 يزعمون أنهم اشتروا من خلالها الأرض، ولكن اتضح لاحقا أنهم استأجروها من صاحب الأرض الأصلي، ولكن من خلال التزوير حولوها من إيجار إلى ملكية".

وكان مواطن مقدسي تقدم بأوراق ملكية للأرض إلى المحاكم الإسرائيلية، ولكنها رفضت الإقرار بها على الرغم من مصداقية الوثائق.

صراع مرير

وتخوض العائلات الفلسطينية الـ 28 منذ العام 1972 صراعا مريرا بالمحاكم الإسرائيلية في مواجهة مزاعم الجماعات الإسرائيلية.

وقال الصباغ: "نحن في المحاكم منذ العام 1972 وحتى الآن، ففي العام 1976 تم رفع 4 قضايا ضد 4 عائلات، ولكن تمكن المحامي توسيا كوهين، في حينه، من إثبات زيف مزاعم الجماعات الإسرائيلية وأن العائلات أقامت في منازلها بطريقة قانونية ولم يحتلوا المنازل، كما تدعي جماعات المستوطنين".

كانت العائلات الفلسطينية لجأت إلى توكيل محام إسرائيلي في ذلك الوقت، لأن المحامين الفلسطينيين كانوا مضربين عن العمل أمام المحاكم الإسرائيلية.

لكن لم يستمر ابتهاج العائلات الفلسطينية طويلا بدفاع المحامي الإسرائيلي عنهم. "ففي 1982، تم التوصل إلى صفقة بين المحامي كوهين ومحامي المستوطنين، تم من خلالها اعتبار السكان مستأجرين محميين وأن علينا أن ندفع الإيجار لجماعات المستوطنين، وأن نبقى في المنازل لمدة 3 أجيال"، وفق الصباغ.

ولفت إلى أن "المحامي كوهين وقع نيابة عن 17 عائلة من دون علمها، وقد تم رفضها من جانب العائلات، ولكن المحكمة تستند حتى الآن على هذا الاتفاق والوثيقة المزورة التي تزعم الجماعات الاستيطانية من خلالها ملكيتها للأرض".

لاحقا، تم استبدال المحامي الإسرائيلي بطاقم دفاع من المحامين الفلسطينيين.

وبدأ الإخلاء الفعلي للعائلات من منازلها في العام 2008، حينما تم طرد عائلة الكرد من منزلها في إجراء تكرر العام 2009 بحق عائلتي الغاوي وحنون.

وقال الصباغ: "استمر القضاء بالنظر في قضايا ضد العائلات الأخرى، وفي فبراير/ شباط 2012 تم اصدار قرارات إخلاء لعائلتنا، وقد تمكن من تجميد الإخلاء حتى العام 2018 حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إخلاءنا من المنزل حتى 3 يناير/ كانون الثاني 2019، ولكن نجح طاقم الدفاع من تجميد أمر الإخلاء، وما زال القرار ساري المفعول حتى اليوم".

مخاوف من الطرد

وأضاف: "في مطلع العام 2021 أصدرت المحاكم قرارات إخلاء بحق 7 عائلات أخرى. وفي أغسطس/ آب الماضي أرجأت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها بشأن أوامر الإخلاء إلى أن تقدمت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي باقتراح تم رفضه في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري من جانب العائلات بالإجماع".

وأشار الصباغ إلى أنه "استنادا إلى الاقتراح، تقبل العائلات بدفع إيجار للجمعيات الاستيطانية وتبقى بالمنازل لمدة 3 أجيال وتجميد قرارات الإخلاء لمدة 15 عاما يتم خلالها بحث أمر الملكية في محكمة التسوية".

وقال: "تم رفض الاقتراح من جانب العائلات وسكان الحي، لأنه يمثل اعترافا بملكية المستوطنين للأرض، وهذا أمر غير صحيح".

وتستحوذ قضية الشيخ جراح منذ مايو/ أيار الماضي، على اهتمام الشارع الفلسطيني والمناصرين للقضية الفلسطينية حول العالم.

وعلى الرغم من ذلك، تسود مخاوف أوساط العائلات الفلسطينية من أن تقدم السلطات الإسرائيلية على طردها من منازلها.

وقال الصباغ: "منذ العام 1972، تعيش كل العائلات تحت ضغط نفسي، فإلى أين سنذهب إذا تم إجلاؤنا؟ ونحن نشعر دائما بأننا مهددين بالإخلاء، على الرغم من أننا قدمنا إلى بيوتنا بطريقة قانونية وباتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأونروا".

وأضاف: "أنت في وضع تشعر فيه أنك اليوم بمنزلك وغدا ستكون خارجه. هذا هو شعورنا اليومي".

وتابع الصباغ، الذي وضع إلى جانبه صورة لوالده أمام منزل العائلة في مدينة يافا: "نخشى أن يتم تهجيرنا مرة ثانية كما هُجِّرنا في العام 1948".

المصدر: الأناضول

رابط مختصر : http://bit.ly/30KQquk