محمد دفع الله: ناقش خبراء ومختصون وباحثون فلسطينيون وعرب واجانب قضية اللاجئين الفلسطينيين في العالم العربي من مختلف زواياها السياسية والقانونية والحقيقية في سياق الثورات العربية وذلك في الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز العودة الفلسطيني تحت عنوان " اللاجئون الفلسطينيون في الوطن — العربي والواقع والآفاق "
خاطب الندوة الدكتور حسن النعمة عضو مجلس ادارة شبكة الجزيرة، مشيرا الى ان الثورات العربية أتاحت لشعوب المنطقة فرصة التعبير عن رأيها في كل القضايا المصيرية..وقال ان قضية اللاجئين احتلت مكانها في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية ولفت الى ان الجزيرة نجحت في تسليط الضوء على القضايا الحيوية. وكان افتتح الندوة الدكتور صلاح الدين الزين قائلا ان قضية اللاجئين هي قضية قديمة متجددة ذات ابعاد سياسية واجتماعية ونبه الى العلاقات المتشابكة بين قضية اللاجئين وبين دول المنطقة المحيطة لافتا الى ان القضية يتم نقاشها في وقت تعاني فيه من مخاض التحولات. وقال الدكتور ماجد الزير مدير مركز العودة الفلسطيني ان قضية اللاجئين هي اساس الصراع وان ما أرق الصهيونية هو بقاء مصطلح اللاجئين في القاموس السياسي واشار الى عدد من المآلات التي آلت اليها قضية اللاجئين خلال الفترة الماضية. ( بلفور) خطأ بريطاني ومن جانبهم ناقش المشاركون في الجلسة الاولى "قضية اللاجئين.. الجذور والواقع" فيما ناقشوا في الجلسة الثانية الرعاية الحقوقية والقانونية والدولية لقضية اللاجئين وناقشوا في الجلسة الاخيرة مواقف الاطراف العربية والدلوية من قضية اللاجئين. واشار سلمان ابوستة المنسق العام لمؤتمر حق العودة الى خطة العودة، مشيرا الى ان وعد بلفور في 1917 كان فاتحة لأطول حرب شُنَّت ضد شعب، ودامت 94 عاماً حتى الآن. لافتا الى قول المؤرخ الإسرائيلي المعروف، آفي شليم، "كان وعد بلفور واحداً من أسوأ الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الخارجية البريطانية في النصف الأول من القرن العشرين. وأكد أن هذا الوعد انطوى على ظلم كبير للعرب الفلسطينيين وزرع بذور صراع لا ينتهي في الشرق الأوسط." وأضاف " رغم كل القوة العسكرية التي يتمتع بها الإسرائيليون، فإنهم لم يربحوا المعركة على المدى الطويل. ورغم الضعف العسكري الذي يعاني منه الفلسطينيون، فإنهم لم يخسروا كل شيء. واضاف " فهم ما زالوا يعيشون داخل فلسطين وفي البلاد المحيطة بها. تضاعف عددهم سبع مرات، وأصبحوا 11 مليون نسمة، وفي حين ازداد عدد الإسرائيليين 10 مرات، بالتكاثر الطبيعي وعلى الأخص باستقدام المهاجرين اليهود، فإن عددهم الان لم يتجاوز نصف عدد الفلسطينيين. وقال ابوستة إن شرعية حق العودة راسخة في القانون الدولي كما يؤكدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومواثيق إقليمية مماثلة، والميثاق الدولي الداعي لإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري. توثيق اسماء اللاجئين ومن جانبها قدمت مريم عيتاني خلال عرضها لورقتها بعنوان " اشكالات منهجية وحلول مقترحة " قد تسهم في تطوير واقع دراسات اللاجئين الفلسطينيين وقالت انه بخصوص الإحصائيات والدراسات الإحصائية: ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات؛ حيث إن إجراء الدراسات الضخمة لم يعد يكلف ميزانية ضخمة كما سابقًا إذا ما أحسنّا استغلال الشبكات الاجتماعية والإنترنت، والأدوات الإحصائية التكنولوجية المساعدة. وقالت إن من المقترحات العملية في هذا المجال تتمثل في البدء بتوثيق أسماء اللاجئين الفلسطينيين وأصولهم وآلية للتواصل معهم، وهو أمر من المحبذ تطويره بشكل مستقل بعيد عن أية مظلة حزبية، ولو أن المظلة التي من المفترض أن يكون تابعًا لها هي مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بفكرتها المجردة لا بواقعها من فساد. ولفتت الى ان مثل هذه الشبكات أقل ما توفره هو إحصاء سكاني لتعداد اللاجئين، وأماكن توزعهم جغرافيًا، وفئاتهم العمرية، وخصصاتهم (هل هي: خصائصهم؟)، وإمكانية التواصل معهم بهدف الحصوص على تفاصيل أكبر. وقالت ان هناك العديد من الدراسات عن كيفية التحقق من مصداقية الإحصائيات والسجلات الإلكترونية، ولا يغني ذلك عن ضرورة وجود منسقين ومتابعين على الأرض. العودة عنوان الصراع وقال طارق حمود في ورقته المكانة السياسية لقضية اللاجئين في ظل عملية السلام ان حق العودة يمثل ابتداءً عنوان الصراع مع الاحتلال؛ إذ ارتبط ارتباطًا متماهيًا ومباشرًا بالآليات التي اعتمدتها الثورة الفلسطينية في شعاراتها وبرامجها في سنوات الانطلاقة. كما مثل برنامج النقاط العشر عام 1974 أول تراجع في مكانة قضية اللاجئين وحق العودة؛ إذ نقله من حالة التماهي مع آليات الثورة إلى حيز مفرد ومخصص. واضاف: إن تراجع المكانة السياسية لقضية اللاجئين قد ارتبط ارتباطًا مباشرًا برغبة منظمة التحرير الفلسطينية في الدخول إلى خيارات التسوية.ولم تخضع قضية اللاجئين لمبادئ القانون الدولي والإرادة الشعبية الفلسطينية بقدر ما خضعت لمستجدات الواقع السياسي الإقليمي والدولي. وزاد القول: تراجع مكانة حق العودة وقضية اللاجئين لدى مختلف الأطراف عربيًا ودوليًا كان يسير طردًا مع تراجع موقف م.ت.ف من القضية ذاتها. وقد ساهم غياب مؤسسات منظمة التحرير وترهل دوائرها وتغول السلطة في الضفة وغزة عليها في ابتعاد قضية اللاجئين عن أولويات البرنامج السياسي. وقال حمود ان قضية اللاجئين مثلت فلسطينيًا في مختلف محطات التفاوض ورقة مساومة وتكتيك لا قضية استراتيجية. ولفت الى ان الفعل المقاوم لعب على الأرض دورًا أساسيًا في الحد من تقهقر مكانة حق العودة بشكل أكبر، ظهر ذلك من خلال انتفاضتي العام 1987 و 2000، كما أن ظهور حركة حماس والجهاد الإسلامي كتيار رافض للتسوية على الساحة الفلسطينية مثّل ضمانة مهمة لها. واوضح ان ظهور لجان ومؤسسات ومؤتمرات حق العودة مثل عاملاً مهمًا في دعم صمود اللاجئين الذي مثَّل أساس إفشال مشاريع حل قضية اللاجئين المطروحة. طي صفحة الاونروا ومن ناحيته قال علي هويدي في ورقته بعنوان أزمة الانروا والجهود العربية والدولية لرعاية اللاجئين ان إلغاء وكالة "الأونروا" أو تصفية أعمالها وطيّ صفحة قضية اللاجئين لن تقتصر مخاطره على اللاجئين فحسب، بل قد تطول مصالح الأقطار العربية المضيفة لأن بديل ذلك هو توطين اللاجئين حيث هم، وهذا مرفوض من قِبل اللاجئين أنفسهم ومعظم الدول المضيفة. وقال ان حالة رفض محاولات إنهاء دور "الأونروا" وإلغاء خدماتها لصالح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أو تحويل صلاحياتها إلى الدول المضيفة وحتى تحسين الأداء وعدم الاتزان المالي والإداري داخل الوكالة تتطلب تصعيد التحركات المطلبية لأن التجربة أثبتت أن الضغط الشعبي على إدارة "الأونروا" يحقق تحسينًا وتطويرًا للخدمات المقدمة. واشار الى انه لا يوجد علاقة بين خدمات "الأونروا" وميزانيات الدول المانحة، وعلى الأمم المتحدة أن تغطي أي عجز مالي تواجهه الوكالة، وأزمات "الأونروا" لن تنتهي بهدف فرض شروط الدول المانحة. وشدد على ان مواجهة مخططات التوطين تتطلب مناشدة الدول العربية المضيفة من أجل دعم حق العودة عبر تقديم تسهيلات في الجوانب الحياتية والمعيشية للاجئين المقيمين على أراضيها لاسيما لبنان والعراق، وتجسيد المواقف المعلنة برفض التوطين ودعم صمودهم الاجتماعي، فضلاً عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه ميزانية "الأونروا". وقال د. عدنان ابوعامر الاستاذ في جامعة غزة أن قضية اللاجئين الفلسطينيين شكّلت موضوعًا ساخنًا في التحليلات السياسية والنقاشات الإستراتيجية التي تزخر بها اجتماعات الحكومات الإسرائيلية، ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وبرامج الأحزاب السياسية، وأكدت في معظمها على أن حق العودة لا يجب أن يكون موضوعًا قابلاً للتفاوض مع الفلسطينيين وإن خضع للتفاوض فيجب أن يكون ضمن إضعافه بالقيود، والعقبات التي تحدّ من شموليته وفاعليته. وقال ان حق العودة اقتصر على اللاجئين كبار السن، وهم الجيل الأول الذين أُجبروا على مغادرة فلسطين، وقد لا يقومون بالعودة دون عائلاتهم، وتطبيقه ضمن برنامج سنوي يرتبط بأعداد المهاجرين اليهود القادمين إلى إسرائيل كل عام. وزاد القول: إنه لم يطرأ على الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين تطور يذكر، منذ نشوئها لا في زمن الحرب ولا التسوية، لسبب واحد بسيط، هو أن إسرائيل تعتقد جازمة، أن وجود الفلسطينيين على أرضهم ينسف من الأساس المشروع الصهيوني، القائم على تلفيق أسطورة فراغ فلسطين من شعبها، بهدف تحقيق دولة يهودية. وقال يوسف ابوالسعود — باحث اكاديمي — ان على الفصائل الفلسطينية ضرورة الالتقاء على أسس جامعة للتعامل مع فلسطينيي الشتات باعتبارهم جزءًا مهمًا من الشعب الفلسطيني لا يجوز التخلي عنه أو ترحيل مطالبه وتطلعاته. ودعا الى الالتفات أكثر لآمال وتطلعات فلسطينيي الشتات، فحجم الانشغال بالشأن الداخلي الفلسطيني، ترك المجال للدول المضيفة لصياغة سياساتها تجاه اللاجئين دون التفاهم على أسس مشتركة تضمن الحفاظ على التراث الفلسطيني والهوية الفلسطينية. وقال أديب زيادة بعد أن دخلت النكبة ستينيتها ما زال الفلسطيني اللاجئ عرضة للقهر سيكولوجيًا وفسيولوجيًا في آن واحد فلم تكن هذه المدة الطويلة لمأساتهم كفيلة بأن توفر لهم الحياة الكريمة المنشودة تحت ظل الأنظمة التي تعاملت معهم كمصادر تهديد للأمن والاستقرار والنظام في العديد من المحطات؛ مما أدى إلى تكريس العيش في ظل حالة من الازدواجية بين الاندماج والاغتراب. وقال انه مما فاقم من أزمتهم غياب صوتهم التمثيلي الحقيقي وانعدام شعورهم بالوزن والتأثير في مجريات الأحداث لاسيما تلك المتعلقة بهم. أما المجتمع الدولي المحيط فلا يتعامل مع قضيتهم سوى ببُعدها الإنساني العام ساعيًا جهده كي يحل المشكلة على قاعدة التوطين والتعويض بدلاً من العودة والتعويض. واضاف " في ظل انغلاق الأفق السياسي لأي حل عادل لقضيتهم يغدو العمل على حشد الرأي العام لصالح قضيتهم مسؤولية الغيورين على حق العودة من مؤسسات مجتمع مدني أو فصائل ومنظمات. وقال ان المراوحة بين التركيز على الحالة والصورة في بناء التصور المفضي الى رسم السياسات وحشد المواقف تغدو مسألة للدراسة برسم التنفيذ؛ ففي الوقت الذي ينبغي فيه المزاوجة بين الإنساني والصورة من جانب يظل التركيز على السياسي والقانوني مهمًا للغاية أيضًا. وزاد القول " تكريس الصورة وتصوير المعاناة ليس شرطًا لازمًا لحق العودة بقدر ما ينبغي الانطلاق في ذلك الحق من كونه حقًا بالقانون والسياسة والدين والعرف الدولي لا مجرد حالة إنسانية تستدعي العطف وصرف المساعدات والبحث عن الأثمان لتسديدها. وقال إن انتفاء الصورة يومًا طوعًا أو قسرًا لا يعني البتة انتفاء الحالة والوضعية القانونية والسياسية الملازمة للاجئ لكونه طُرد من أرضه ووطنه وهذا يكفي. وشدد على ان كل أسباب التخفيف من معاناة اللاجئين في المخيمات أو خارجها ينبغي أن تكون محط اهتمام إستراتيجي لدى أصحاب الشأن دون الخشية من إمكانية فقدان الصورة والمعاناة كدالّة رئيسية على ديمومة الحق في العودة. ولفت الى انه من الواجب البحث في إمكانيات جعل النكبة وقضية فلسطين عمومًا محط اهتمام وتعبئة لأجيال الأمة العربية والإسلامية متجاوزين بذلك مخاوف الفلسطينو فوبيا ومؤكدين الوجهة نحو فلسطين طال الزمن أو قصر؛ ليس لأن الصهيونية نجحت في جعل صورة اليهودي الضحية منهاجًا دراسيًا في مدارس الغرب عمومًا، بل لأن الواجب يقضي أن يكون همّ فلسطين وعودة خمسة ملايين لاجئ فلسطيني إلى أرضهم ووطنهم مسؤولية الأمة أجمع. الشرق، الدوحة، 15/4/2012