دانت الجاليات الفلسطينية في أوروبا وجمعياتها ومؤسساتها مشروعات تسقط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم، وأصدروا وثيقة تعلن عدم تفريطهم بهذا الحق.فقد أصدر فلسطينيو أوروبا وثيقة تاريخية أكدوا فيها تمسكهم المطلق بحق العودة إلى أرضهم وديارهم في فلسطين، رافضين بشكل مطلق المساومة على هذا الحق أو الالتفاف عليه.إذ تمخض مؤتمر فلسطينيي أوروبا المنعقد في العاصمة الألمانية، والذي حضرته وكالة "قدس برس"، عن صدور "وثيقة برلين للتمسك بحق العودة"، التي تزامن صدورها مع حلول الذكرى السادسة والخمسين لنكبة فلسطين.
مؤتمر شعبي حاشد
فتحت عنوان "لن نتنازل عن حق العودة ولم نخوِّل أحدا بالتنازل عنه" احتشد يوم السبت 15 أيار (مايو)، أكثر من ألفي فلسطيني جاؤوا من عموم أوروبا، ممثلين عن الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في بلدان القارة، في المؤتمر الذي نظمه مركز العودة الفلسطيني - لندن، والجالية الفلسطينية في برلين. وشاركت عشرات المؤسسات والتجمعات الفلسطينية من أنحاء القارة الأوروبية في هذا المؤتمر، وألقى ممثلوها كلمات أجمعت على التمسك القوى بحق العودةوعلاوة على الوفود المشاركة من عموم أوروبا؛ فقد شارك في أعمال مؤتمر "لن نتنازل عن حق العودة" كل من محمد خليل عقل، النائب في البرلمان الأردني عن مخيم البقعة بالأردن، وجمال الشاتي، رئيس لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي الفلسطيني، والدكتور عزمي بشارة، القيادي الفلسطيني القادم من الأراضي المحتلة سنة 1948، وخالد الترعاتي، مدير "المؤسسة الإسلامية الأمريكية للقدس" بواشنطن.
ووجّه المشاركون في المؤتمر، إدانات قوية، لمحاولات الالتفاف على حق العودة الفلسطيني، معبِّرين عن رفضهم المطلق لكل الحلول والمبادرات التي تتنازل عن حقهم في العودة، ومؤكدين أنها لا تمثلهم وأنهم لم يخولوا أحدا بالتنازل عن هذا الحق.
"وثيقة برلين" .. ترد على "وثيقة جنيف"
وقد ثمِّن المؤتمرون في "وثيقة برلين" التي صدرت عنهم "الجهود الكبيرة التي تقوم بها المؤسسات الشعبية العاملة لقضية اللاجئين وحق العودة داخل الوطن المحتل وفي الشتات"، وطالبوا بدعم هذه المؤسسات وتمكينها من أداء رسالتها على أكمل وجه، وأكدوا لحمة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
وجاء في "وثيقة برلين" في هذا الصدد "يؤكد المؤتمرون على التمسك بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها، باعتبار ذلك من الحقوق الأساسية الفردية والجماعية التي أقرتها وكفلتها الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين الدولية، وأكدت عليه العديد من قرارات الأمم المتحدة. وباعتبار العودة حق شخصي لا تجوز فيه النيابة أو التمثيل؛ فلا يملك شخص أو هيئة التنازل عنه لأي سبب وبأي حجة أو اتفاق. وهو حق لا يسقط بمرور الزمن لا ينتقص أو يتأثر بإقامة دولة فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين".
رفض ما يؤدي إلى التفريط بحق العودة
وأعلنت الوثيقة "عن عدم القبول بأي مفاوضات أو حلول تسفر عن التنازل أو التفريط بحق العودة"، وقال المؤتمرون في الوثيقة الهامة "إنهم لن يقبلوا بمشاريع التوطين أو التعويض. ويطالبون بالتعويض والعودة معاً كحقين متلازمين، لأنّ التعويض إنما هو عن المعاناة والأضرار التي لحقت بهم جراء الاحتلال والتشريد وليس ذلك بأي حال بديلاً عن حق العودة".
وأضافت الوثيقة "يرفض المؤتمرون اعتبار "العودة" الجزئية إلى مناطق السلطة الفلسطينية أو العودة الفردية للجيل الأول إلى فلسطين الـ48 كحل إنساني ضمن إطار ما يسمى بجمع شمل العائلات، واعتبار ذلك التفافاً على حق العودة"، كما تقول وثيقة برلين.
ودعا المؤتمرون الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين إلى تحسين الظروف المعيشية وتخفيف معاناتهم، مع تأكيدهم لرفض التوطين، والتمسك بحقهم التاريخي في العودة، كما حثوا الدول الأوروبية على "عدم الانجرار وراء السياسة الأمريكية المنحازة بشكل مطلق للاحتلال الصهيوني في فلسطين. وإلى انتهاج سياسة أكثر توازناً لتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين".
وشدّد المؤتمرون على أنّ "تنفيذ حق العودة وتحقيقه عملياً وبشكل عادل وغير منقوص؛ إنما يستلزم إنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، لأنه العقبة الحقيقية أمام عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه"، بحسب الوثيقة.
بيراوي: مخاطر تهدد حق العودة
ولفت زاهر بيراوي، رئيس مجلس أمناء مركز العودة الفلسطيني - لندن، انتباه المؤتمر الحاشد لفلسطينيي أوروبا المنعقد في برلين بقوله "يأتي انعقاد مؤتمركم هذا في ظروف تزداد فيها المخاطر التي تتهدد حقكم في العودة، وتزداد الهجمة على حق العودة، وترتفع أصوات معزولة غريبة في محاولة منهم إلى إلقاء الرعب في قلوب المخلصين العاملين لهذا الحق"، وأضاف "وما وعد بوش المشؤوم وخطة شارون إلا ترجمة لهذه الهجمة، الأمر الذي يلقي على عاتقكم مسؤولية أكبر ويتطلب منكم جهداً مضاعفاً للتصدي لهذا الخطر الداهم"، حسب قوله.
وقال بيراوي "إنّ الشعب الفلسطيني الذي قدّم وما زال يقدم التضحيات منذ النكبة هو صاحب الحق وليس أصحاب الأجندات الخاصة المتساقطين على الطريق"، مضيفاً "لقد آن الأوان لنهج تغييب الشعب عن المشاركة في صنع القرار أن يندثر، فليس الشعب الفلسطيني البطل قاصراً عن قراءة المرحلة واتخاذ القرارات المناسبة"، على حد تعبيره.
بشارة: كيف نتنازل عن حق وعن قرار دولي؟
وبدوره؛ شدد الدكتور عزمي بشارة، القيادي العربي البارز في الأراضي المحتلة سنة 1948، على المغزى الهام لانعقاد هذا المؤتمر، وقال "أؤكد على أهمية موعد انعقاد هذا المؤتمر، فنحن في ذكرى النكبة"، وعن هذه النكبة قال عن دور الحركة الصهيونية "رموا الفلسطينيين في الصحراء وهم يهتفون سيرموننا"، واصفاً النكبة وتهجير الفلسطينيين أثناءها وبعدها بأنها "عملية سطو" هي الأكبر من نوعها.
د. عزمي بشارة يلقي كلمته في المؤتمر
وهاجم الدكتور بشارة بشدة محاولات التنازل عن حق العودة، وبشأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم وديارهم؛ قال مستغرباً "أيوجد أحد لديه قرار جمعية عمومية (للأمم المتحدة) ويتنازل عنه؟ إنه قرار دولي، كيف نتنازل عنه؟".
وقد أبدى الحضور تقديراً خاصاً لمشاركة عزمي بشارة في المؤتمر، ورمزية هذه المشاركة التي تعكس التواصل بين الفلسطينيون وراء الخط الأخضر مع الشعب الفلسطيني في الشتات، والتوافق على حق العودة.
النائب عقل: الشعب الفلسطيني لن يتزحزح عن التمسك بحق العودة
ومن جانبه؛ قال النائب في البرلمان الأردني عن مخيم البقعة محمد خليل عقل "يتحدثون عن حق العودة، وبعضنا مشفق على هذا الحق، وأقول أيها الأخوة لا تشفقوا، فشعبنا قد تجاوز كل ما تظنون، شعبنا ضرب المثل في التمسك بالتمسك بوطنه، شعبنا الذي يتمسك بفلسطين، كل فلسطين، من البحر إلى النهر، لن يتزحزح عن التمسك بهذا الحق بإذن الله".
السيد محمد خليل عقل
وأعاد النائب في البرلمان الأردني إلى الأذهان صور محنة اللجوء الفلسطيني، ونقل عن اللاجئين الفلسطينيين في الأردن إصرارهم الشديد على تفعيل حق العودة، وتحقيق طموح تحرير فلسطين من الاحتلال واستئناف الحياة الفلسطينية فوق الأرض الفلسطينية.
الشاتي: العودة هي القضية المركزية
وقد أعاد جمال الشاتي، رئيس لجنة اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى الأذهان بأنّ "قضية اللاجئين هي القضية المركزية للشعب الفلسطيني وهي جوهر الصراع". وقال "لاشك أنّ هناك العديد ممن يحاول التطاول على الإجماع الوطني الفلسطيني، والتطاول على الثوابت الوطنية الفلسطينية، فمنهم من يحمل الصفة التمثيلية، ومنهم من يحمل الرسمية، ومنهم من لا يحمل أي صفة على الإطلاق"، على حد وصفه.
السيد جمال الشاتي وإلى يمينه السيد خالد ترعاني
ورأى الشاتي "أنّ وثيقة جنيف، هذه الوثيقة التي ولدت ميتة، حتى لو ولدت حية علينا أن نميتها، لأنها بشكل أو بآخر تحاول اغتيال الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبالذات حق العودة"، مشدداً على أنّ "حق العودة حق مقدّس تُجندل دونه الرقاب"، حسب قوله.
الترعاني يحذر من الاحتيال على الشعب الفلسطيني
السيد خالد ترعاني (في الوسط)
وأدان الترعاني قيام الرئيس الأمريكي جورج بوش بالدعوة إلى التنازل عن حق العودة الفلسطيني ومطالبة الشعب الفلسطيني بالقبول بالمستوطنات. وهاجم الترعاني وثيقة جنيف ووثيقة الهدف اللتين تتنازلان عن حق العودة، ورأى فيهما "قضية نصب واحتيال على الشعب الفلسطيني وبدون خجل"، لتخليهما عن هذا الحق الذي هو "حق فردي ومقدس لا يمكن التنازل عنه بأي شكل من الأشكال"، كما ذكر.
ومن سجنه؛ وجّه الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينية، رسالة تحية إلى مؤتمر فلسطينيي أوروبا، حذر فيها من الخطوات التي ترمي التنازل عن حق العودة وأدانها بقوة، كما وصلت إلى المؤتمر برقية من الأسير حسام خضر، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني والمدافع عن حق العودة، يؤكد فيها ضرورة التمسك بهذا الحق.
وفي رسالة بعث بها إلى مؤتمر برلين؛ أكد صلاح صلاح الذي تعذّر عليه الحضور إلى برلين للمشاركة في أعمال المؤتمر، أنّ "كل فلسطينيي لبنان يؤكدون أنهم جزء لا يتجزأ من الحركة الواحدة لحق العودة لكل الفلسطينيين في كل مواقع الشتات".
الزير: رسالة جماعية ترفض التنازل عن حق العودة
وقد أكد ماجد الزير، مدير مركز العودة الفلسطيني بلندن، أنّ هذا المؤتمر يحمل رسالة جماعية من الشعب الفلسطيني في أوروبا ومن أماكن تواجده تعلن الرفض القوي لمحاولات التنازل عن حق العودة. كما قدم غسان أبو سمره رئيس الجالية الفلسطينية في برلين عرضاً لنشوء نكبة اللجوء الفلسطيني مشدداً على ضرورة التمسك بحق العودة.
وألقي السفير الفلسطيني ببرلين عبد الله الإفرنجي كلمة في المؤتمر أكد فيها تمسك منظمة التحرير الفلسطينية بحق العودة وعدم تخليها عن هذا الحق، وقال "نحن نناضل من أجل حق العودة ونثبت حق العودة"، مؤكداً أنّ منظمة التحرير الفلسطينية لم تتنازل عن هذا الحق.
وقد حيّا عادل عبد الله، الأمين العام لرابطة فلسطين بالنمسا، تأكيد السفير عبد الله الإفرنجي للتمسك بحق العودة، و"وقوفه ضد وثيقة جنيف"، ورأى في ذلك إدانة من الإفرنجي للقائمين على هذه الوثيقة وخص الوزير الأسبق في السلطة الفلسطينية ياسر عبد ربه.
كما أدى الفنان الشعبي الفلسطيني إبراهيم محمد صالح "أبو عرب" وفرقته وصلات فنية تغنى فيها بالعودة إلى فلسطين، بينما جاءت مشاركات الوفود الفلسطينية من البلدان الأوروبية لتؤكد الرفض القاطع لمبادرتي جنيف والهدف ووعد "بوش" ولكل محاولات التفريط بحق العودة.
أبو عرب وفرقته يؤدون وصلات غنائية حول العودة وفلسطين
وقد أقيمت على هامش المؤتمر معارض توثق معاناة اللاجئين الفلسطينيين وحنينهم إلى وطنهم المحتل، وعدم تفريطهم بحق العودة، فيما تصدرت المؤتمر خرائط ضخمة لفلسطين تظهر قراها وبلداتها التي دمرها الاحتلال، إلى جانب المفتاح الذي بات رمزاً لإرادة العودة والتمسك بالديار لدى الشعب الفلسطيني