فنّد رئيس الوزراء الهولندي الأسبق إدريس فان آخت، بقوة، الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية، وبررت بها فرض الحصار على الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت في فلسطين في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2006.
وتنظم المؤتمر الخامس من نوعه على التوالي الأمانة العامة لمؤتمر فلسطينيي أوروبا ومركز العودة الفلسطيني والمنتدى الفلسطيني للحقوق والتضامن في هولندا وبالاشتراك مع عدد من المؤسسات الأخرى.
وقد ندّد رئيس الوزراء الأسبق إدريس فان آخت بالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وحكومته، مفنداً المرتكزات التي جرى تبرير ذلك الحصار بها، من جانب اللجنة الرباعية التي تضم في عضويتها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، علاوة على الأمم المتحدة.
وتتمثل تلك المرتكزات بالشروط الثلاثة الشهيرة التي ظلّ التلويح بها متواصلاً منذ مطلع العام 2006 وحتى الآن، والتي تطالب الحكومة الفلسطينية المنتخبة انتخاباً ديمقراطياً بنبذ المقاومة ضد الاحتلال، والإعلان عن شرعية السلطة المحتلة في فلسطين باسم "الاعتراف"، والإقرار باتفاقات التسوية السياسية المنهارة.
وتصدّى فان آخت في خطابه لكل من تلك الاشتراطات الثلاثة، مشدداً على أنها تقوم على معايير مزدوجة وتتنافى مع مبادئ التوازن والحياد والعدل، وتمثل انحيازاً سافراً لصالح حكومة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني والحكومة التي اختارها بطريقة ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها.
ففي ما يتعلق بالشرط الأول، المتمثل بنبذ المقاومة، شدّد رئيس الوزراء الهولندي الأسبق على أنّ كل شعب واقع تحت الاحتلال له الحق في ممارسة المقاومة، وفق القانون الدولي، محذراً من التوجه الرامي لاستثناء الشعب الفلسطيني من هذا الحق.
أما بشأن بند "الاعتراف"؛ أثار فان آخت تساؤلاً جوهرياً في هذا الشأن بشأن مدى تحقق معيار التبادلية في هذا المطلب، وقال "ألا يجب أن يكون الاعتراف تبادلاً بين الجانبين؟!". ومن خلال تحليله للوقائع العملية؛ أعاد إلى الأذهان أنّ منظمة التحرير الفلسطينية أعلنت سنة 1988 "استعدادها للاعتراف بإسرائيل حتى حدود 1967، لكنّ الفلسطينيين حصلوا على صفر فاصلة صفر مقابل ذلك".
وبخصوص البند المتعلق بإقرار الاتفاقات التي جرى إبرامها مع حكومة الاحتلال في سياق التسوية السياسية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي؛ فقد شدّد على أنّ الشرط الموجّه من جانب اللجنة الرباعية للحكومة الفلسطينية في هذا الشأن يتجاهل أيضاً معيار التبادلية، فحكومة الاحتلال "انتهكت الاتفاقات السابقة وما زالت تنتهكها حتى الآن"، على حد تأكيده.
وعلاوة على شروط الرباعية تلك؛ فقد مضى فان آخت إلى القول إنّه "تم توجيه مجموعة من الشروط للفلسطينيين بينما لم يتم توجيه أي شرط للإسرائيليين"، محذراً في هذا الصدد من أنّ "الواقعين تحت الاحتلال يوضعون تحت العقوبات بينما المحتلون يتم إعفاؤهم من ذلك".
أما بشأن عمليات التفجير التي شنّها أشخاص فلسطينيون في سياق الصراع مع سلطات الاحتلال، والتي عدّتها الدول الغربية مرتكزاً لوضع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على قائمتها لما تسميه الإرهاب؛ فقد نبّه رئيس الوزراء الهولندي الأسبق إلى أهمية الالتفات إلى الظروف المحيطة بتلك العمليات. وبينما أكد رفضه شخصياً لتلك العمليات؛ فإنه استدرك قائلاً "لكنّ أعمال العنف الناتجة عن اليأس من جانب أناس يائسين لا يمكن أن نخرجها من بيئتها، تلك البيئة هي الاحتلال الذي لا نهاية له، تلك البيئة هي الاستيطان المتواصل، سرقة الأراضي، فرض الحواجز، خنق ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني بتخريب مزارع الزيتون، سجن عشرة آلاف من الفلسطينيين من بينهم أطفال دون محاكمتهم أو اتهامهم، هذه هي البيئة" التي تحدث فيها العمليات.
وتابع فان آخت قوله "إلى هذا أضيف أنّ عدد القتلى والمشوّهين الفلسطينيين هو أضعاف أضعاف الضحايا الإسرائيليين جراء العنف الفلسطيني. وبينما كل عنف فلسطيني يتم وصفه بأنه عمل إرهابي؛ فإنّه لا يجري بالمقابل نعت الأعمال الإسرائيلية العنيفة بحق الفلسطينيين بالإرهاب، فهي مهما كان عدد ضحاياها ليست إرهاباً".وعلّق رئيس الوزراء الهولندي الأسبق على ذلك بالقول إنّ المعادلة القائمة بموجب ذلك تتمثل في أنّ "العنف بالأسلحة البدائية هو إرهاب، أما العنف بالأسلحة الحديثة المتطورة فليست إرهاباً" مهما بلغ عدد الضحايا المدنيين التي يسقطون جراءها، مبدياً استهجانه الشديد لهذا المنطق.
وفي ما يتعلق بالموقف الغربي من التعامل مع حركة "حماس" التي تقود الحكومة الفلسطينية وفازت بالأغلببة في الانتخابات التشريعية؛ أكد إدريس فان آخت أنه "دون الدخول في مفاوضات مع من انتخبهم الشعب الفلسطيني لا يمكن الوصول إلى اتفاق سلمي"، معيداً إلى الأذهان بعض المواقف التي دعا أصحابها إلى ضرورة الاتصال مع "حماس"، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وحتى وزير خارجية حكومة الاحتلال الأسبق شلومو بن عامي.
وشدّد فان آخت تنديده بالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، ذاهباً إلى حد القول إنّ "الفلسطينيين البريئين يتعرضون للمعاملة كالحيوانات على أساس أنهم مجرمون لأنهم صوّتوا لحماس"، وعقّب على استنتاجه هذا بالقول "بالفعل إنّ زعماء الغرب مجانين، فهم يتصرّفون بجنون".
وفي ما يتعلق بمؤتمر فلسطينيي أوروبا الخامس، الذي ينعقد في مدينة روتردام، فقد أشار رئيس الحكومة الأسبق في خطابه إلى أنّه "منذ العام 2003 يقيم الفلسطينيون الذين يعيشون في أوروبا مؤتمرات لبحث مستقبل شعبهم وبلادهم، وهذه المرة نظم المؤتمر الفلسطينيون في هولندا، وقد صادف ذلك يوم تحريرنا، مما أثار غضب البعض وأحدث جدلاً". وأوضح فان آخت إزاء ذلك أنّ المتحدثين الهولنديين قد اعتادوا يومي الرابع والخامس من أيار (مايو) من كل عام إلقاء الخطابات التي تتحدث عن العدالة والسلم في كل مكان في العالم، مختتماً بعبارات ساقها بعاطفة جياشة، أعرب فيها عن "مناشدة كل من لديه استعداد لأن يسمع، كي يبذل الجهود حتى يكون ذلك اليوم هو بداية لتحرير الشعب الفلسطيني" أيضاً.