برز دور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والمؤتمرات والمبادرات المنبثقة عنها خلال العقدين الماضيين، في ضل تغيرات ٍطرأت على القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في الشتات، حيث شكلت تلك المؤتمرات فرصة ًللتأكيد على التمسك بالثوابت التاريخية للشعب الفلسطيني، والأخذ بزمام المبادرة، لمواكبة مختلف التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية.
شكّل مؤتمر فلسطينيي أوروبا منذ إنطلاقته الأولى في تموز/ يوليو عام 2003، فرصةً جيدة لإعادة إبراز الوجود الفلسطيني في أوروبا، إثر الهجرات المتلاحقة للفلسطينيين نحو القارة الأوروبية بفعل الأزمات والحروب في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، ووصول موجات الطلاب الفلسطينيين إلى الجامعات الأوروبية خلال تلك العقود، وهو ما أدى لاحقاً إلى بروز تجمعاتٍ ومجتمعاتٍ فلسطينية في القارة، جمعت بين عوامل الإستقرار في الدول المضيفة وبين التمسك بالهوية الفلسطينية والحق التاريخي المتجذر في الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، حق العودة.
ومع دخول المفاوضات الفلسطينية مع دولة الإحتلال حول الوضع النهائي في منعطفات ٍخطيرة، وصدور إشارات ٍوبروز مبادرات تتنكر لحق العودة، تداعى مركز العودة الفلسطيني في لندن عام 2003 لعقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا الأول في العاصمة البريطانية، للمطالبة بعدم المساس بالثوابت الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة لفلسطينيي الشتات إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها عام 1948، حيث صدر في الختام بيانٌ عن المؤتمرين، تركزت فحواه حول التمسك بحق العودة والعمل على صيانة هذا الإستحقاق التاريخي للشعب الفلسطيني من عبث التنازلات والمساومات.
ومن هنا، عُرفَ مؤتمر فلسطينيي أوروبا خلال السنوات التي أعقبت إنطلاقته الأولى بمؤتمر " العودة " في أوساط الفلسطينيين في أوروبا، واتسعت نطاق المشاركة الجماهيرية في فعالياته عاماً بعد عام، حيث تنقل المؤتمر بين عواصم ومدن أوروبية عدة، وتنوعت برامجه بين السياسية والثقافية والإجتماعية، وتناوب على حضور المؤتمر، مسؤولين وأعضاء برلمان ووزراء ورؤساء حكومات سابقة من مختلف الجنسيات العربية والأوروبية
الهموم الفلسطينية في الداخل والخارج كانت حاضرة ً على أجندات المؤتمر خلال السنوات الماضية، فمن غزة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مروراً بأزمة فلسطينيي العراق وسوريا، إذ تجاوز المؤتمر البيانات والتوصيات، وشرع في إطلاق المبادرات وتسيير الحملات الإغاثية والإنسانية للتخفيف من معاناة الفلسطينيين في مختلف أزماتهم خلال السنوات الماضية .
خلال سنوات الإنقسام الفلسطيني العجاف، حرصت رئاسة المؤتر على تجاوز إفرازات المرحلة وتوحيد الصف الفلسطيني في أوروبا، واستضافت الشخصيات الوطنية الفلسطينية خلال السنوات الماضية من مختلف التيارات، وحرصت على حضور السفراء الفلسطينيين في مختلف البلدان الأوروبية لفعاليات المؤتمر، ووجهت نداءاتها إلى كافة الأطراف بضرورة إنهاء الإنقسام الذي يفت في عضد الجسد الفلسطيني، ويلقي بضلاله الثقيلة على مسيرة العمل الفلسطيني ووحدة الأهداف والرؤى.
إكتسب مؤتمر فلسطينيي أوروبا خلال سنواته الإثنى عشرة الماضية، رصيداً من الخبرات والطاقات البشرية، تم توجيهها لتشكيل هيئات ومؤسسات متخصصة على امتداد القارة الأوروبية، وذلك لغرض استيعاب الطاقات الفلسطينية من مختلف التخصصات والإستفادة منها في مشاريع الإغاثة والتنمية في الداخل الفلسطيني وفي مخيمات الشتات، حيث شهد المؤتمر تأسيس تجمع الأطباء في أوروبا وتجمع المهندسين في أوروبا والتجمع العالمي للنقابات المهنية الفلسطينية، ويحسب لمؤتمر فلسطينيي أوروبا أيضاً إسهامه في إطلاق العديد من الحملات الإغاثية والإنسانية، يذكر منها على سبيل المثال الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة، وحملة الوفاء الأوروبية، ومع اشتداد أزمة فلسطينيي سوريا، انبثقت عن المؤتمر مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.
لم يغفل القائمون على المؤتمر، التطور الذي شهدته المجتمعات الفلسطينية في أوروبا، وظهور أجيال فلسطينية جديدة، وُلدت وترعرعت في البلدان الأوروبية، واكتسبت لغة ومفاهيم تلك البلاد، فكانت الحاجة إلى إيجاد وعاء فكري متزن يستوعب تلك الأجيال، وراء تأسيس العديد من الهيئات والمؤسسات الشبابية والثقافية، منها على سبيل المثال تجمع الشباب الفلسطيني في أوروبا وشباب ألماني من أجل فلسطين وتجمع الشباب الفلسطيني في النمسا وغيرها من المؤسسات والتجمعات على امتداد القارة الأوروبية.
الإندماج الإيجابي للمرأة الفلسطينية في المجتمعات الأوروبية، وارتفاع مستوى التعليم في أوساط سيدات المجتمع الفلسطيني في القارة الأوروبية، انعكس بالإيجاب على شكل تفاعلها ومشاركتها في مختلف المناشط والفعليات الفلسطينية خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز حضورها الإيجابي والمشاركة في فعاليات مؤتمر فلسطينيي أوروبا، وهو ما نتج عنه، انبثاق العديد من الهيئات والمؤسسات النسائية على امتداد القارة الأوروبية، كرابطة المرأة الفلسطينية في أوروبا ورابطة المرأة الفلسطينية في النمسا ورابطة المرأة الفلسطينية في ألمانيا.
ومع اقتراب الموعد السنوي لإنطلاق فعاليات المؤتمر، تجري الإستعدادات لإلتئام مؤتمر فلسطينيي أوروبا الثالث عشر تحت شعار " فلسطينيي أوروبا والمشروع الوطني الفلسطيني " في الخامس والعشرين من نيسان/ أبريل القادم في العاصمة الألمانية برلين، وذلك بمشاركة العديد من الوفود الرسمية والشخصيات الوطنية، حيث رشح عن رئاسة المؤتمر في بيان ٍ لها تأكيد حضور عدد ٍمن أعضاء البرلمانات الأوروبية، كما سيشهد المؤتمر إقامة ورش عمل ونقاشات حوارية مع شخصياتٍ فكرية وسياسية، بالإضافة إلى فقرات ٍ ثقافية وفنية وعروض ًتراثية، بحسب البيان