عقد مركز العودة الفلسطيني ندوة نقاشية عبر الإنترنت بعنوان "الضفة الغربية: تسارع الضم والتطهير العرقي". حيث تناولت التطورات المثيرة للقلق في الضفة الغربية والتي طغت عليها أخبار الإبادة الجماعية الجارية في غزة. وشارك في الندوة عدد من المتحدثين، بمن فيهم ناشطون فلسطينيون، وأكاديميون، ودبلوماسيون سابقون، حيث قدموا تحليلات معمقة حول تصاعد عنف المستوطنين الإسرائيليين، وضم الأراضي، وتفاقم أوضاع الأسرى السياسيين الفلسطينيين.
افتتح النقاش الناشط الفلسطيني عرب البرغوثي، الناشط في مجال الأسرى الفلسطينيين والذي يقود حملة للإفراج عن والده مروان البرغوثي، قدم مداخلة مؤثرة تعبر عن الألم المتزايد الذي يشعر به الفلسطينيون خلال العام الماضي. سلط الضوء على الأزمة الإنسانية في غزة وارتداداتها على الضفة الغربية، مؤكداً أن الحرب على غزة استخدمتها إسرائيل كستار لتكثيف أعمالها القمعية في الضفة الغربية سواء من خلال الجيش والاقتحامات أو من خلال توسيع الاستيطان وتعزيز عنف المستوطنين.
وأوضح البرغوثي أن النظام القمعي الإسرائيلي يستهدف الفلسطينيين بشكل مكثف مؤخراً خاصة من خلال الاعتقالات الإدارية التي تُبقي أكثر من 11,000 أسير فلسطيني خلف القضبان دون محاكمة، إضافة إلى التعذيب والتجويع الواقع داخل السجون، وليس انتهاء بالمحاكمات الشكلية حيث تبلغ نسبة الإدانة في المحاكم العسكرية الإسرائيلية 99.7%.
خلود العجارمة، عالمة أنثروبولوجيا فلسطينية وأستاذة في جامعة أدنبرة وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المزارعين، تناولت معاناة المزارعين الفلسطينيين، الذين يواجهون هجمات عنيفة ومتزايدة من المستوطنين الإسرائيليين. تحدثت عن تدمير أشجار الزيتون كمحاولة لطرد الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدة أن موسم قطف الزيتون، الذي يُعتبر جزءًا أساسيًا من التراث الفلسطيني، بات مستهدفًا بشكل خاص. وأشارت إلى أن هذا الهجوم على المزارعين الفلسطينيين هو جزء من محاولة منظمة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتحطيم الاقتصاد الزراعي الذي طالما شكل عصب الحياة الفلسطينية.
أشارت العجارمة إلى أن المستوطنين لا يقتصرون على تدمير أشجار الزيتون، بل يقومون أيضًا بسرقة المحاصيل وتخريب الأراضي الزراعية، وذلك كجزء من استراتيجية منهجية لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. وأوضحت أن الاعتداءات على المزارعين والأراضي لا تتعلق فقط بالتدمير الفوري، بل لها تأثير طويل الأمد على المجتمع الفلسطيني، حيث أن زراعة شجرة زيتون جديدة قد تستغرق سنوات حتى تنضج وتنتج ثمارًا، ما يزيد من معاناة المزارعين الاقتصادية والنفسية.
كما أشارت إلى أن أكثر من 800,000 شجرة زيتون قد تم اقتلاعها منذ عام 1967، وأن هذه الأفعال ليست مجرد تخريب اقتصادي، بل هي أيضًا جزء من عملية التطهير العرقي التي تسعى إسرائيل لتنفيذها من خلال السيطرة على الأراضي وتدمير الرابط الثقافي العميق بين الفلسطينيين وأرضهم. وذكرت أن الأشجار، وخاصة شجرة الزيتون، تعتبر رمزًا للصمود والاستمرارية في الثقافة الفلسطينية، ولهذا السبب تعتبر مستهدفة من قبل الاحتلال والمستوطنين.
من جانبه، قدم صائب شعث، دبلوماسي سابق مؤلف وخبير في شؤون الشرق الأوسط، تحليلًا معمقًا للاستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد في الضفة الغربية والقدس، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل بشكل مستمر على تعزيز مستوطناتها وتوسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية. وأوضح شعث أن عصابات المستوطنين، ومثال ذلك الذين يطلقون على أنفسهم "فتية التلال"، وهي مجموعات مسلحة تمارس أعمال العنف والترهيب ضد الفلسطينيين بمباركة الحكومة الإسرائيلية ودعم الجيش، لا يكتفون بالاستيلاء على الأراضي بل يتعرضون للمواطنين الفلسطينيين بالعنف، بما في ذلك حرق المنازل وتدمير المحاصيل الزراعية، مما يهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا من أراضيهم.
وتناول شعث أيضًا الازدواجية في تطبيق القوانين من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث أشار إلى وجود نظامين قانونيين مختلفين في الضفة الغربية: واحد للمستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون تحت القانون المدني، وآخر للفلسطينيين الذين يخضعون للقوانين العسكرية الإسرائيلية. وأكد أن هذا النظام القانوني المزدوج يعزز من نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) المفروض على الفلسطينيين.
واختتم شعث مداخلته بالتأكيد على أن الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، تمنح إسرائيل الحصانة من المساءلة عن جرائمها، ما يسمح لها بالاستمرار في مخططاتها الاستيطانية بلا محاسبة.
داود خطاب، الصحفي الفلسطيني البارز وأستاذ الصحافة السابق في جامعة برنستون مؤلف ومدير شبكة الإعلام المجتمعي وإذاعة البلد في عمان، ركز في مداخلته على الوضع الخاص للفلسطينيين في القدس، مشيرًا إلى التمييز المنهجي الذي يتعرض له سكان المدينة. تناول قضايا هدم المنازل والقيود المفروضة على التعليم، مشيرًا إلى أن السياسات الإسرائيلية تستهدف المجتمعات المسلمة والمسيحية على حد سواء. وأكد أن مستقبل القدس يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من أي حل سلمي للقضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن السماح بمحاولة محو الهوية الفلسطينية في المدينة المقدسة.
تناول خطاب أيضًا قضية القيود التعليمية التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على المدارس الفلسطينية في القدس. وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية تحاول فرض مناهج تعليمية إسرائيلية على المدارس الفلسطينية، بهدف طمس الهوية الوطنية الفلسطينية في المدينة. وأشار إلى أن هذه القيود تهدف إلى تقويض الوعي الوطني لدى الأجيال الجديدة من الفلسطينيين، وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على النظام التعليمي.
كما تطرق إلى السياسات التمييزية التي تؤثر على حرية التنقل والوصول إلى الأماكن المقدسة، حيث أشار إلى أن المسلمين والمسيحيين في القدس يُمنعون بشكل متكرر من الوصول إلى أماكن عبادتهم إلا بتصاريح محددة، مما يقوض حقهم في حرية العبادة. وأوضح أن هذه السياسات تهدف إلى خلق واقع جديد في القدس يعزز من السيطرة الإسرائيلية على المدينة، ويقلل من الحضور الفلسطيني فيها.
أشار خطاب أيضًا إلى أن الفلسطينيين في القدس يعيشون في حالة قانونية هشة، حيث يتمتعون فقط بصفة "مقيمين دائمين"، وليس لديهم جنسية، مما يعني أن الحكومة الإسرائيلية يمكنها سحب إقامتهم في أي وقت إذا لم تكن القدس "مكان استقرارهم" أو "مركز حياتهم". ونتيجة لذلك، فقد العديد من الفلسطينيين حقهم في الإقامة في المدينة، وأصبحوا أشبه بـلاجئين في مدينتهم الأم.
واختتم داود خطاب حديثه بالتأكيد على أن القدس تظل محورًا أساسيًا لأي حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا يمكن تحقيق أي تقدم سياسي دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين في المدينة. ودعا المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية الفلسطينيين في القدس ووقف السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية والثقافية للمدينة.
واختتمت الندوة برسالة مسجلة من رمزي بارود، صحفي بارز كاتب ومؤلف ورئيس تحرير فلسطين كرونيكل، حيث تناول مسألة الضم الإسرائيلي المتسارع للضفة الغربية، وأشار إلى أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وطرد السكان الفلسطينيين منها. تحدث بارود عن أن الحرب الجارية على غزة تُستخدم كغطاء لتوسيع هذه الطموحات الاستيطانية في الضفة الغربية، موضحًا أن إسرائيل تستغل الانشغال العالمي بالحرب في غزة لتمرير مخططاتها في الضفة بعيدًا عن الأنظار.
أوضح بارود أن الضم الفعلي للضفة الغربية قد بدأ منذ سنوات، لكن إسرائيل تحاول الآن الانتقال إلى ضم قانوني ورسمي لمناطق واسعة من الضفة. ورغم فشل محاولات الضم الرسمية في عام 2020 بسبب الضغوط الدولية، إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن تعزيز وجودها الاستيطاني من خلال التوسع المستمر للمستوطنات. وأكد أن إسرائيل تسعى إلى إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية في الضفة الغربية من خلال الاستيطان وطرد الفلسطينيين.
كما أشار إلى أن الحرب على غزة وما يجري فيها ليس حدثًا منفصلًا، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إخضاع كل المناطق الفلسطينية. وشرح أن الهدف ليس فقط غزة، بل أيضًا السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، وأن إسرائيل تسعى إلى استخدام الحرب على غزة كذريعة لتسريع خططها الاستيطانية والضم في الضفة.
وتحدث بارود أيضًا عن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في الحفاظ على أراضيهم وهويتهم في مواجهة هذه المخططات الاستعمارية. وشدد على أن إسرائيل تستغل الوضع الراهن لتغيير الوقائع على الأرض، من خلال مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وزيادة الضغط على الفلسطينيين في الضفة الغربية لترك أراضيهم.
اختتم بارود حديثه بالدعوة إلى تضامن دولي أوسع مع الشعب الفلسطيني، مشددًا على أهمية مقاومة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى التطهير العرقي والضم. ودعا إلى تحرك عالمي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الفلسطينيين في الضفة الغربية، محذرًا من أن السكوت عن هذه السياسات سيؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر.
في ختام الندوة، أكد المتحدثون على خطورة الوضع المتفاقم في الضفة الغربية والقدس، مشيرين إلى أن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي يتجاوز مسألة الاستيطان فقط، ليصبح جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني في تلك المناطق. دعا المشاركون المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه الفلسطينيين، مؤكدين على ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كما شددوا على أهمية تحرك شعوب العالم للضغط على حكوماتهم من أجل إنهاء التواطؤ مع السياسات الإسرائيلية وتقديم الدعم للفلسطينيين في نضالهم من أجل الحرية.
شاهد تسجيل الندوة من هنا