لندن، 27 نوفمبر 2024 – نظم مركز العودة الفلسطيني ندوة حوارية بعنوان "الدفاع عن حقوق الفلسطينيين: منظور إنساني وقانوني" يوم الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024، في قصر وستمنستر، بمجلس العموم البريطاني. شهدت الندوة حضورًا متنوعًا من الناشطين والأكاديميين والدبلوماسيين وعدد من أعضاء البرلمان. أدار النقاش النائب شوكت آدم، واستضافت الندوة مجموعة متميزة من الباحثين والخبراء الذين تناولوا التحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم من المنظورات القانونية والإنسانية والسياسية.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية من عضو البرلمان البريطاني شوكت آدم، النائب المستقل عن ليستر ساوث والذي برز مؤخراً بقيادته حملة قوية داخل البرلمان لدفع الحكومة للاعتراف بدولة فلسطين، وشهدت دعماً من نواب من خلفيات حزبية متعددة، حيث شدد في افتتاحيته على ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقه المشروع في تقرير المصير وتمهيد الطريق نحو سلام شامل.
المتحدث الأول في الندوة كان البروفيسور آفي شليم، الأستاذ الفخري في العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، انتقد دور بريطانيا التاريخي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث أشار إلى إعلان بلفور عام 1917 باعتباره الأساس الذي مهد الطريق لنكبة الفلسطينيين. وأوضح أن الإعلان منح حقوقًا وطنية لليهود بينما حرم الأغلبية العربية، التي تزيد عن 90%، من حقوقها الوطنية.
وأبرز البروفيسور شلايم أن سياسات بريطانيا خلال فترة الانتداب سعت إلى قمع حق الفلسطينيين في تقرير المصير والديمقراطية. كما أشار إلى أن السياسات البريطانية الحالية، التي تتسم بدعم غير نقدي لإسرائيل وتجاهل حقوق الفلسطينيين، تستمر في تمكين الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين. واعتبر أن الحرب الحالية على غزة هي استمرار لمشروع استعماري استيطاني تدعمه الإمبريالية الغربية، بما في ذلك بريطانيا.
وأضاف البرفيسور شلايم أن السياسة البريطانية تظل متناقضة، إذ تدعي دعم حل الدولتين بينما تعمل على تقويضه من خلال بيع الأسلحة والدعم الدبلوماسي لإسرائيل. كما انتقد فشل بريطانيا في محاسبة إسرائيل على أفعالها في غزة، التي وصفها بأنها ممارسات إبادة جماعية. واختتم حديثه بالدعوة إلى تغيير جذري في السياسة الخارجية البريطانية لتتماشى مع القانون الدولي والأخلاق، والتخلي عن معاييرها المزدوجة.
من جهتها، قدمت البروفيسورة بيني غرين، المتخصصة في الجريمة الدولية والقانون الدولي في جامعة كوين ماري في لندن، قدمت قراءة نقدية لدور القانون الدولي في معالجة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مشددة على فشل الأطر القانونية في تحقيق العدالة أو المحاسبة حتى الآن. وأشارت إلى أن تصرفات إسرائيل، بما في ذلك نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية، تعززت بفضل الحصانة التي توفرها لها بعض الحكومات الغربية.
وأشارت غرين استغلال بعض الدول للنظام القانوني الدولي من أجل خدمة مصالحها بدلاً من كبح الجرائم التي ترتكبها، واعتبرت أن المجتمع المدني في المقابل، ما زال يملك قدرة فعالة بشكل أكبر على الرفض والمساءلة، حيث شددت على أهمية الحركات الشعبية، مثل حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، باعتبارها أدوات فعّالة ضد سياسات إسرائيل.
ودعت البروفيسور غرين إلى تعزيز التحالفات المجتمعية لكشف ورفض العنف الذي تمارسه الدول، موضحةً أن المجتمع المدني يتمتع بمرونة وشرعية شعبية تجعله في موقع فريد لمواجهة هذه الجرائم، مما يوفر إطارًا فعّالًا التضامن مع المجتمعات المضطهدة، ولا سيما الفلسطينيين.
بدوره، ألقى الدكتور ليكس تاكنبرغ، المدير السابق لعمليات الأونروا في سوريا وفي الأردن والمستشار البارز في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، ألقى كلمة تناول فيها التحديات الحرجة التي تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في ظل تصاعد الهجمات الإسرائيلية، وخاصةً القوانين التي أقرها الكنيست مؤخراً، والتي تهدف إلى حظر عمليات الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد تاكنبرغ أن هذه التطورات تأتي ضمن استراتيجية استعمارية استيطانية أوسع تهدف إلى طمس حقوق وهوية اللاجئين الفلسطينيين.
وحذر د. تاكنبيرغ من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تعطيل الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين، بما في ذلك التعليم لمئات الآلاف من الأطفال، وهو ما يشكل انتهاكاً خطيراً للقوانين والالتزامات الدولية. وشدد على أن تصرفات إسرائيل تخالف العديد من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الإنسانية، وتمثل قطيعة جوهرية في الاستجابة العالمية لأزمة اللاجئين الفلسطينيين.
وسلط د. تاكنبرغ الضوء على صمود الأونروا، لا سيما في حفظ سجلات تسجيل اللاجئين من خلال الرقمنة وحماية قاعدة بياناتها من التدمير المحتمل. ودعا الأمم المتحدة إلى تبني نهج متعدد الأطراف لسد الثغرات في الحماية والسعي نحو حلول دائمة مثل حق العودة. كما طالب بإعادة تقييم شاملة من قبل المجتمع الدولي لمواجهة الطموحات الاستعمارية الإسرائيلية وضمان المساءلة عن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي، مؤكداً ضرورة إعطاء الأولوية لحماية هوية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
البروفيسورة ربا صالح، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة بولونيا الإيطالية، ألقت كلمة مؤثرة سلطت فيها الضوء على المعاناة الهائلة والصمود اللافت للشعب الفلسطيني في ظل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وصفت الواقع الوحشي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 43,000 فلسطيني، وإبادة آلاف العائلات بالكامل، والتأثير المدمر على التعليم والحياة اليومية. وأكدت أن هذا العنف هو امتداد لتاريخ يمتد لقرن من الاستعمار والفصل العنصري والتشريد. وانتقدت صالح ازدواجية المعايير التي تتجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين وتعتبرها مجرد أضرار جانبية.
واختتمت صالح حديثها برسالة عن الصمود، مشيدة بروح الشعب الفلسطيني التي لا تنكسر رغم محاولات الإبادة. واستعرضت قصصاً شخصية من غزة تعكس أفعالاً إنسانية مستمرة وسط الرعب، مثل الحفاظ على روتين يومي للأطفال وتعزيز الروابط المجتمعية بين الناس، مؤكدةً أن هذه القصص تمثل شهادة قوية على صمود الفلسطينيين وتمسكهم بالكرامة الإنسانية بشكل يعطي العالم دروساً في الإنسانية حتى في أحلك اللحظات.
اختتمت الندوة مع الدكتورة شهد حموري، المحاضرة في القانون الدولي في جامعة كنت البريطانية، تناولت النتائج الحاسمة للأطر القانونية الدولية، وخصوصًا قرارات محكمة العدل الدولية بشأن فلسطين ومسؤوليات الدول بموجب القانون الدولي. وأكدت حموري أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية يشكل انتهاكًا للعديد من القواعد الآمرة في القانون الدولي، بما في ذلك حق تقرير المصير، وحظر الفصل العنصري، والاستخدام غير المشروع للقوة. وأوضحت أن هذه الانتهاكات لا تقع فقط على عاتق إسرائيل، بل تستدعي أيضًا التزامات من جميع الدول لمنع التواطؤ ومعالجة هذه الخروقات. وشددت بشكل خاص على أن المملكة المتحدة لديها واجب منع الإبادة الجماعية والتوقف عن أي أعمال تدعم العدوان العسكري الإسرائيلي، مثل تجارة الأسلحة والتعاون في مجال المراقبة.
وأشارت د. حموري إلى أن حجم وطبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية تعكس نوايا إبادة جماعية، داعيةُ إلى اتخاذ إجراءات فورية، بما في ذلك فرض حظر على الأسلحة، وفرض عقوبات، واستخدام الضغط السياسي عبر حكومات أوروبا والعالم لضمان الامتثال للالتزامات القانونية الدولية وتحقيق المساءلة.
تكتسب هذه الفعالية، التي ينظمها مركز العودة الفلسطيني، أهمية بالغة حيث تأتي في ظل تصاعد العنف في شمال غزة واقتراب اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من نوفمبر. في وقت بلغت فيه الأزمة الإنسانية في فلسطين مستويات غير مسبوقة، يوفر هذا الحدث منصة حيوية تجمع نخبة من الأصوات البارزة لمناقشة الأبعاد السياسية والقانونية والإنسانية للصراع، مع التركيز على الحاجة الملحة لتحقيق العدالة والمساءلة.
ومع تزايد الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، تمثل هذه الفعالية نداءً قوياً للحكومات وصناع القرار للاستجابة بفعالية لمعاناة الشعب الفلسطيني على الأرض، والعمل على دفع سياسات من شأنها تخفيف آلام الفلسطينيين وضمان حقوقهم الأساسية.