الجلسة الثانية: أصوات من غزة – الواقع المعيشي والصمود في ظل الإبادة الجماعية

الجلسة الثانية: أصوات من غزة – الواقع المعيشي والصمود في ظل الإبادة الجماعية

في مؤتمر تسمية الإبادة الجماعية: المسؤولية العالمية عن غزة، قدمت الجلسة الثانية، التي حملت عنوان "أصوات من غزة: الواقع المعيشي والصمود"، استكشافًا متعدد الأبعاد لحياة أهل غزة تحت حصار مستمر. بإدارة من البروفيسور بيني جرين، أستاذة في القانون، وفرت الجلسة منصة أساسية لمن شهدوا عن كثب العنف المستمر والدمار المنهجي الذي يُفرض على غزة. ومع منع الصحفيين الغربيين من دخول الإقليم، أصبحت الأصوات الأصيلة لأهل غزة المصدر الوحيد لفهم التكلفة الإنسانية الحقيقية لهذه الأزمة.

 

رواية الحقيقة
افتتحت البروفيسور بيني جرين الجلسة بالتأكيد على أن هذه الجلسة تتجاوز مجرد نقل الأخبار؛ فهي تهدف إلى إعادة الإنسانية إلى السرد الفلسطيني. وشددت على أن الأصوات الحقيقية لمن يعيشون تحت حصار غزة، مثل الأطباء والمعلمين والصحفيين والغزاويين العاديين الذين يشاركون واقعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل العمود الفقري للمقاومة ضد السرد القمعي السائد.

وأبرزت الأستاذة بيني التضحيات الشخصية الجسيمة التي يقدمها العاملون في القطاع الصحي تحت الاحتلال، مشيرة إلى أن هذه الجلسة تقام في اليوم الذي من المقرر فيه إطلاق سراح الدكتور حسام أبو صفية، طبيب الأطفال ومدير مستشفى كمال عدوان، الذي لا يزال محتجزًا منذ شهور في أحد السجون الإسرائيلية الشهيرة بالتعذيب — لتكون بذلك تذكيرًا صارخًا بالظروف الوحشية التي يواجهها ما لا يقل عن 300 عامل صحي محتجز. كما استحضرت الأستاذة بيني الحالة المروعة للدكتور أحمد برش، رئيس جراحة العظام بمستشفى الشفاء، الذي اختطفته قوات الأمن الإسرائيلية وتعرض للاغتصاب حتى الموت في سجن عوفر. ومن خلال ذكر هذه الحالات المأساوية، أكدت على الأهمية القصوى لتضخيم أصوات الشهود على هذه الفظائع، وأن شهاداتهم الشجاعة ضرورية لتحدي وتفكيك السرد المشوه الذي تكرسه وسائل الإعلام الغربية.

 

  

دعوة للصمود والتجديد
قدم الدكتور مادس جيلبرت، الطبيب النرويجي والمؤلف الحائز على جوائز، خطابًا ملهمًا جمع بين التأمل الشخصي والدعوة للصمود. معبرًا عن أسفه لأنه اضطر لأن يكون "الصوت الأبيض" لأولئك الذين أسكتهم الاحتلال، روى الدكتور جيلبرت اللحظة التاريخية التي بدأ فيها الفلسطينيون المشردون قسرًا في شمال غزة بالعودة إلى ديارهم، وهو رمز قوي للتحدي والتجديد. مستشهدًا بعبارة نيلسون مانديلا الخالدة بأن "لا قوة على وجه الأرض تستطيع إيقاف شعب مضطهد مصمم على استعادة حريته"، وضع جيلبرت النضال الفلسطيني كمنارة عالمية ضد الاستعمار والظلم.

وقد تميز خطابه بتصويرات حيّة للصمود الغزي الذي شاهده بعينه خلال فترات إقامته في غزة كطبيب، واستعار رموزاً كطائر العنقاء الذي ينبثق من رماده والصورة المؤثرة لرجل فلسطيني بطل مفقود، لتجسيد الروح التي لا تُقهَر لغزة. لم يقتصر خطابه على تكريم شجاعة الشعب فحسب، بل دعا أيضًا المجتمع الدولي للاعتراف ودعم هذا السعي الدؤوب لتحقيق العدالة.

 

 

  

مواجهة انهيار النظام الصحي في غزة
قدم الدكتور أحمد مخللاتي، رئيس جراحة الترميم والعظام بمستشفى الشفاء في غزة ومدير منظمة "جلوبال ميدكونكت"، سردًا صادمًا ومباشرًا للتأثير الكارثي للعنف المستمر على النظام الصحي في غزة. بدقة طبية ومشاعر صادقة، وصف انهيار البنية التحتية الطبية بشكل كامل تقريبًا، وهو نظام كان يُعرف سابقًا بقوته وتميزه.

تحدث الدكتور مُخلّلاتي عن الهجمات المتكررة على المستشفيات، والندرة الحادة للإمدادات الأساسية، والتجارب المروعة التي يمر بها العاملون في القطاع الصحي وهم مجبرون على العمل في ظروف لا يمكن تصورها. كما استذكر فوضى إجلاء المرضى دون وجود سيارات إسعاف، واستهداف المرافق الطبية عمدًا، والأثر الشخصي لمشاهدة الأرواح تفقد والأسر تتفتت. وقد أكد شهادته على أن تدمير النظام الصحي في غزة ليس مجرد أضرار جانبية بل هو استراتيجية محسوبة لإضعاف الأسس التي يقوم عليها بقاء الشعب الفلسطيني. ومن خلال روايته، وجه نداءً عاجلًا للتدخل الدولي الفوري والدعم المستمر لإعادة بناء شبكة الرعاية الصحية الحيوية لمستقبل غزة.

  

 

 

شهادة شخصية عن الفقد والتحدي
شارك الصحفي البريطاني الفلسطيني أحمد الناعوق، مؤسس مبادرة "لسنا أرقاماً"، سردًا شخصيًا مؤلمًا يجمع بين المعاناة الجماعية والخسارة الفردية. وبمشاعر جياشة، روى الناعوق مأساة فقدانه 21 فردًا من عائلته— خسارة تحول الأرقام المجردة إلى مأساة إنسانية مؤلمة. كانت كلماته بمثابة رفض قوي لأي فكرة تقول إن أعمال الإبادة الجماعية يمكن أن تُترجم إلى نصر للمحتل.

اعتبر الناعوق أنه مهما زاد عدد الأرواح المفقودة، فإن كل وفاة تكشف أكثر عن وحشية الاحتلال وتعزز الروح التي لا تنكسر للشعب الفلسطيني. كما تحدى في خطابه السرد السائد الذي يحاول التقليل من فظاعة الإبادة الجماعية من خلال مقارنة قيمة الضحايا الغربيين مع عملية نزع الإنسانية المنهجية للفلسطينيين. وقد كانت كلمته ومناشدته بمثابة شهادة على صمود أولئك الذين يرفضون الانكسار، ونداءً للتضامن العالمي في وجه الظلم المستمر.

  

 

 

استعادة السردية من أيدي الإعلام الغربي
اختتم البروفيسور وسام عامر من جامعة كامبريدج الجلسة بتقديم رؤية نقدية حول كيفية فشل الإعلام الغربي في التقاط جوهر الحياة في غزة. بصفته باحثًا في وسائل الإعلام وخبيرًا في الاتصال السياسي، جادل عامر بأن التسميات التقليدية مثل "الإبادة الجماعية" أو "الكارثة" أو "الصراع" تبقى قاصرة ولا تفي بالغرض في وصف الواقع المعيشي للبقاء على قيد الحياة وسط القصف المتواصل والتهجير.

وأكد البروفيسور عامر أن تجربة التهجير القسري، وانهيار المؤسسات التعليمية واستهداف الأكاديميين والطلاب، فضلاً عن التدمير المنهجي للبنية التحتية المجتمعية ليست مجرد إحصاءات، بل هي مآسي متعددة الابعاد، معدداً أسماء كثير من زملاءه الأكاديميين والأساتذة الجامعيين الذين تم استهدافهم في غزة. كما تناول مصطلح "الإسكولاستيسايد" الذي يُستخدم لوصف التدمير المتعمد لجامعات ومدارس غزة، حيث تهدف الهجمات إلى محو الأسس الفكرية والثقافية للمجتمع الفلسطيني وصموده. ومع ذلك، فقد سلط الضوء على إصرار الغزيين على الصمود؛ فالمجتمع الفلسطيني ما زال يجد طرقًا مبتكرة لاستمرارية التعليم، والعائلات تتمسك بالأمل، والأفراد، حتى في المنفى، يواصلون توثيق ومواجهة فظائع الاحتلال بطرق مختلفة. واختتم البروفيسور عامر كلمته بالدعوة إلى تحول جذري في كيفية فهم واستجابة المجتمع الدولي للأزمة في غزة.

 

نداء صادق للتضامن العالمي
شكلت الأصوات المقدمة في الندوة الثانية للمؤتمر، لوحة متعددة الأوجه لحياة غزة تحت الحصار. فقد تراوحت رؤاهم بين انهيار النظام الصحي والتعليمي إلى شهادات شخصية عن الفقد والصمود، بما يبرز الحاجة الملحة للتضامن العالمي. لم تقتصر الجلسة على توثيق الحقائق المدمرة على الأرض، بل كانت بمثابة دعوة لإعادة إنسانية التجربة الفلسطينية، وتحدي السرديات المشوهة، وتحفيز الدعم الدولي لإعادة بناء مجتمع يتعرض للهجوم المستمر. ومن خلال أصواتهم، أصبح النداء للعمل واضحًا: يجب على العالم الاعتراف بالإبادة الجماعية المستمرة في غزة والعمل معًا لاستعادة الكرامة والعدالة والأمل للشعب الفلسطيني.

22-2-2025  

 

 

 

 

 

 

رابط مختصر : https://prc.org.uk/ar/post/4884