في هذه المناسبة المؤلمة، يستذكر مركز العودة الفلسطيني الذكرى السابعة والسبعين لنكبة الشعب الفلسطيني – الكارثة التي حلت به عام 1948، حين تم اقتلاع أكثر من 750,000 فلسطيني قسرًا من ديارهم، وتدمير أو تفريغ أكثر من 500 قرية، وتمزيق وطنٍ بأكمله تحت وطأة التهجير القسري والحرمان والاستعمار الاستيطاني المتواصل.
واليوم، بينما نستحضر مأساة عام 1948، نشهد استمرار النكبة بأبشع صورها. فالحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وبشكل خاص في قطاع غزة، أودت بالفعل بحياة ما يقارب 53,000 فلسطيني منذ أكتوبر 2023، من بينهم آلاف الأطفال والعائلات بأكملها.
ما يحدث ليس مجرد أزمة إنسانية – بل هو إبادة جماعية تتكشف أمام أعين العالم. أحياء بأكملها سُويت بالأرض، ومدارس ومستشفيات قُصفت، ومدنيون حُرموا بشكل ممنهج من الغذاء والماء والرعاية الطبية، فيما يشكّل عقابًا جماعيًا وإبادة بطيئة. الملايين تم تهجيرهم وتجويعهم وإرغامهم على العيش في ظروف لا تُحتمل، دون أفقٍ لنهاية قريبة.
غزة لا تُقصف فقط – بل تُجَوّع. مجاعة مصطنعة تجتاح القطاع المحاصر، فُرضت عمدًا من قبل السلطات الإسرائيلية كسلاح حرب. ووفقًا لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، يواجه مئات الآلاف من الفلسطينيين مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، فيما يموت الأطفال جوعًا وسوء تغذية في مشهد لا يليق بالقرن الحادي والعشرين. منع المساعدات الإنسانية، وتدمير الإمدادات الغذائية، واستهداف عمال الإغاثة، حوّل غزة إلى مخيم موت تحت السماء المفتوحة. إن استخدام التجويع كأداة إبادة يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويجب الاعتراف به وإدانته من قبل كل أصحاب الضمائر، وضمان وصول فوري ودون عوائق للمساعدات الإنسانية.
إن هذه الجرائم ليست حوادث معزولة، بل جزء من نظام استعماري متجذر في التطهير العرقي والفصل العنصري وإنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه غير القابل للتصرف في العودة.
فحق العودة ليس رمزيًا ولا قابلًا للتفاوض – بل هو حق مكفول بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وأكدته أدوات القانون الدولي مرارًا، ويستند إلى مبادئ العدالة والقانون الدولي. هو حق فردي وجماعي، تنتقل شرعيته من جيل إلى جيل بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين، ولا يمكن لأي وقتٍ أو تجاهل سياسي أن يسقطه.
على مدار أكثر من سبعة عقود، ظل حق العودة مطلبًا مركزيًا غير محقق. وهو مطلب متجذر ليس فقط في النصوص القانونية، بل في التجربة الحية – في مفاتيح المنازل التي ما زال اللاجئون يحتفظون بها، وفي الحكايات التي تنتقل إلى الأحفاد، وفي الذاكرة الجمعية لشعب مصمم على استعادة وطنه. إن استمرار إنكار هذا الحق هو حجر الأساس في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وجوهر الصراع والعنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
إن الحرب على غزة والحملة الأوسع ضد الشعب الفلسطيني هما جزء من سياسة ممنهجة من التطهير العرقي، التي لطالما شكّلت ركيزة الممارسة الإسرائيلية منذ عام 1948. ما بدأ بتهجير جماعي أثناء النكبة، استمر بأشكال متعددة عبر فلسطين التاريخية – من هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وسحب الإقامات، وعمليات الإخلاء القسري في القدس والضفة، وصولًا إلى التهجير الجماعي في غزة. النية الإسرائيلية واضحة: محو الوجود الفلسطيني، وتفتيت الشعب الفلسطيني، وترسيخ هيمنة يهودية دائمة على الأرض. هذه ليست مجرد احتلال – بل مشروع منهجي لتفريغ واستبدال السكان، يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية، ويجب على المجتمع الدولي أن يواجهه كمشروع هيمنة عرقية وتطهير إقليمي.
يؤكد مركز العودة الفلسطيني التزامه الثابت بالدفاع عن حقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم. وندعو المجتمع الدولي والمجتمع المدني وكل أصحاب الضمائر إلى الاعتراف بالنكبة ليس كحدثٍ تاريخي، بل كواقعٍ مستمر ومتفاقم يتطلب العدالة والمحاسبة والتعويض.
ونجدد تضامننا الثابت مع أهلنا في غزة والضفة الغربية والقدس والمخيمات الفلسطينية في الشتات. إن شجاعتهم وصمودهم ومقاومتهم في وجه العنف الهمجي تواصل إلهام الحراك العالمي من أجل العدالة والتحرر. ورغم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، تبقى روح الصمود الفلسطيني عصية على الانكسار.
وبالنظر إلى فظاعة الجرائم المستمرة من حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، يدعو مركز العودة الهيئات الأممية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية إلى تسريع وتكثيف المسارات القانونية الرامية إلى محاسبة دولة الاحتلال. إن الإجراءات المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والدعم المتزايد للدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا، تمثل خطوات جوهرية نحو تحقيق العدالة. ونحث المجتمع الدولي على فرض عقوبات، ووقف تصدير الأسلحة، وممارسة الضغوط الدبلوماسية لضمان ألا يفلت مرتكبو الجرائم من العقاب. إن العدالة المتأخرة هي ظلم مضاعف – ولم يعد بإمكان الشعب الفلسطيني تحمّل المزيد من الصمت أو التقاعس.
لم تنتهِ النكبة عام 1948 – بل تستمر في مزيد من الحصارات، والاستيطان، والجدران، والحروب، التي تشكل جوهر السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وكما تستمر النكبة، يستمر الصمود الفلسطيني. فشعبنا لم ولن يتنازل عن تاريخه وحقوقه ووطنه.