جنيف – ٤ يوليو ٢٠٢٥م، نظم مركز العودة الفلسطيني، بالتعاون مع مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، ندوة خاصة على هامش الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، بعنوان: "الاختفاء القسري في سوريا: تحديات العدالة الانتقالية"، وذلك يوم الجمعة 4 يوليو 2025 في قصر الأمم.
هدفت الندوة إلى تسليط الضوء على الانتهاكات المنهجية المتمثلة في جرائم الاختفاء القسري التي ارتكبتها السلطات السورية خلال السنوات الماضية، وعلى العقبات التي تعرقل مسارات العدالة الانتقالية، ولا سيما فيما يتعلق بضحايا هذه الجرائم من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين يتعرضون لتهميش مزدوج في الأطر القانونية والإنسانية المعتمدة حتى اليوم.
د. فضل عبد الغني: العدالة لـ 177 ألف مفقود
في مداخلته، تناول د. فضل عبد الغني، المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، ثلاثة محاور رئيسية: حجم الكارثة، واقع الملف بعد فقدان النظام السيطرة على مناطق واسعة، والمسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة في مسار العدالة الانتقالية.
وأشار إلى أن الشبكة وثقت منذ بداية النزاع السوري أكثر من 177 ألف حالة اختفاء قسري واعتقال تعسفي، معظمها على يد النظام السوري، مؤكدًا أن نحو 85-90% من المعتقلين يتحولون إلى مختفين قسرًا نتيجة انعدام المعلومات حول مصيرهم داخل فروع الأمن.
وسلط الضوء على أبرز الأدلة المتوفرة، وعلى رأسها شهادات وفاة رسمية صادرة عن دوائر النفوس، حصلت عليها الشبكة من موظفين متعاونين، وتثبت أن السلطات عمدت إلى تسجيل وفاة المعتقلين دون إبلاغ عائلاتهم.
كما أشار إلى أن عدد من أُفرج عنهم بعد سقوط النظام في عدة مناطق لا يتجاوز 20 ألف شخص، ما يعني أن مصير ما لا يقل عن 134 ألف معتقل لا يزال مجهولًا، مرجّحًا أن معظمهم قد تمت تصفيتهم تحت التعذيب أو القتل المباشر. ووصف هذه الأرقام بأنها تمثل "حقيقة مرعبة" تتطلب مواجهة جادة ومسؤولة.
وحذر من أن مسارات العدالة الانتقالية في سوريا لا تزال تفتقر إلى الإطار التشريعي والإداري الواضح، في ظل غياب الرؤية المتكاملة لدى الحكومة الجديدة، مشيرًا إلى أن إنشاء لجنتين منفصلتين (إحداهما للعدالة الانتقالية والأخرى للمفقودين) دون أساس قانوني، يعمّق من حالة التشتت ويضعف فاعلية الجهود المبذولة.
ودعا إلى دمج هذه الجهود ضمن مسار موحّد يستند إلى قانون صادر عن سلطة تشريعية مستقلة، ويضمن مشاركة فعالة من منظمات المجتمع المدني، وضحايا الانتهاكات، والخبراء المحليين والدوليين، ومنهم الهيئات الأممية المعنية، مثل لجنة التحقيق الدولية، والمفوضية السامية، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، ومؤسسة ICMP المعنية بالمفقودين.
ماهر شاويش: الفلسطينيون السوريون مغيبون عن العدالة
من جانبه، قدّم الصحفي والباحث ماهر حسن شاويش من مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، مداخلة غنية بالبعد الحقوقي والإنساني، وعبّر في مستهلها عن ترحيبه بتنظيم هذه الفعالية، واصفًا إياها بأنها "مرآة لجرح مفتوح" في الذاكرة السورية، وخاصة في ذاكرة الفلسطينيين.
وسلط شاويش الضوء على الوضع القانوني الهش للفلسطينيين في سوريا، الذين عاشوا لعقود دون حماية قانونية كاملة، ويواجهون اليوم خطر التهميش الكامل داخل مسارات العدالة الانتقالية. وأكد أن هناك أكثر من 6,000 لاجئ فلسطيني سوري لا يزالون في عداد المختفين قسرًا، معظمهم من المدنيين، بمن فيهم طلاب ونساء وموظفون لا علاقة لهم بأي نشاط سياسي أو عسكري.
وفي شهادة شخصية مؤثرة، تحدث شاويش عن اعتقال شقيقه، مشيرًا إلى أنه لا يزال غير قادر على العودة إلى سوريا، حتى بعد تحريرها، بسبب ما شاهده وعايشه من معاناة أثناء الاعتقال. كما أشار إلى اختفاء شقيقة زوجته وزوجها منذ أكثر من عقد، إلى جانب ثلاثة من أبناء خالاته، وعشرة من أصدقائه المقربين، فضلاً عن عشرات الجيران والمعارف في مخيم السبينة جنوب دمشق.
وقال شاويش:
"حين نتحدث عن الاختفاء القسري، فنحن لا نتحدث فقط عن أشخاص مغيّبين، بل عن ذاكرة مغتصبة، عن عائلات تعيش بين الأمل والذعر، عن حياة معلّقة. لا تحولونا إلى أرقام بلا أسماء."
كما استعرض جهود المجتمع المدني الفلسطيني والسوري في توثيق هذه الانتهاكات، من خلال إنشاء أرشيفات مفتوحة، والتواصل مع أهالي الضحايا، وإطلاق حملة فلسطينية للكشف عن مصير المعتقلين، تحوّلت إلى مظلة حقوقية تجمع منظمات ومؤسسات ونشطاء وصحفيين وذوي الضحايا والناجين والناجيات من الاعتقال.
تحديات قانونية وسياسية
أوضح شاويش أن الفلسطينيين السوريين يواجهون ثلاث عقبات رئيسية ضمن مسارات العدالة الانتقالية:
توصيات ختامية
خلصت الندوة إلى مجموعة من التوصيات، من بينها: