بصفته منظمة حاصلة على الصفة الاستشارية الخاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، قدّم مركز العودة الفلسطيني إحاطة حقوقية مفصلة إلى بعثات الدول لدى الأمم المتحدة في جنيف، كشف فيها عن تصاعد مقلق في حجم وخطورة الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما المعتقلين من قطاع غزة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023.
الإحاطة، التي تستند إلى شهادة موثقة من المحامي خالد محاجنة، عضو هيئة شؤون الأسرى والمحررين، توثق استخدام إسرائيل لأساليب تعذيب ممنهجة بحق المعتقلين الفلسطينيين، تشمل الضرب المبرح، التجويع المتعمد، التعليق في أوضاع مؤلمة، الإهمال الطبي الذي أدى إلى الوفاة، التعذيب بواسطة الكلاب، وبتر الأطراف دون تخدير. وقد تم تأكيد هذه الشهادات من قبل منظمات حقوقية دولية مثل "أطباء لحقوق الإنسان – إسرائيل" و"بتسيلم".
وتضمّنت الإحاطة توثيقًا لجريمة اغتصاب ارتكبتها سجّانة إسرائيلية بحق أسير فلسطيني داخل مركز احتجاز، وهو ما يُعد خرقًا فاضحًا للمادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر الاعتداء على الكرامة الشخصية، بما في ذلك العنف الجنسي. وترقى هذه الجريمة إلى جريمة حرب بموجب المادة 8(2)(b)(xxii) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأكد مركز العودة أن غالبية الأسرى من غزة محتجزون في مواقع عسكرية سرية، مثل معسكري "عناتوت" و"سديه تيمان"، دون تواصل مع محامين أو زيارات من الصليب الأحمر، ما يُصنّف كجريمة إخفاء قسري بموجب الاتفاق الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ويعرض المعتقلين لخطر التعذيب والانتهاك خارج أي رقابة قانونية أو إنسانية.
وشدّدت الإحاطة على أن سلطات الاحتلال تعتمد توصيفًا سياسيًا وتمييزيًا لأسرى غزة باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين"، في محاولة لحرمانهم من الحماية القانونية كأسرى حرب أو أشخاص محميين. وهو ما يُعد انتهاكًا مباشرًا لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولمبادئ القانون الدولي الإنساني.
وفي ضوء ما ورد، دعا مركز العودة إلى فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل بشأن الانتهاكات الجسيمة، وعلى رأسها جرائم التعذيب والعنف الجنسي، وفقًا لما تنص عليه قرارات مجلس حقوق الإنسان، بما في ذلك القرار 31/31 بشأن المساءلة والانتصاف. كما دعا إلى تمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة كافة مراكز الاحتجاز، بما فيها المواقع السرية والعسكرية، تنفيذًا للمادة 126 من اتفاقية جنيف الثالثة.
وطالب المركز كذلك بإدراج هذه الجرائم ضمن الملفات المحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جزءًا من سياسة ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ودعا إلى ممارسة الضغط الدولي لضمان احترام المعايير الدولية الدنيا لمعاملة السجناء، بما في ذلك القواعد النموذجية للأمم المتحدة المعروفة باسم "قواعد نيلسون مانديلا".
وشدد المركز في إحاطته على أن حماية الأسرى الفلسطينيين لا تُعد مسألة إنسانية فقط، بل هي اختبار حقيقي لمصداقية القانون الدولي ونظام العدالة العالمي. وأكد أن الصمت الدولي، أو الاكتفاء بإدانات شكلية، بات يشكل غطاءً سياسيًا لاستمرار الجرائم، ويقوّض مكانة الأمم المتحدة كضامن لحماية حقوق الإنسان في أوقات الحرب والاحتلال.