في ندوة نظّمها مركز العودة: جراح بريطاني يكشف تفاصيل مروّعة عن استخدام إسرائيل للتجويع والتدمير الصحي كأدوات إبادة في غزة

في ندوة نظّمها مركز العودة: جراح بريطاني يكشف تفاصيل مروّعة عن استخدام إسرائيل للتجويع والتدمير الصحي كأدوات إبادة في غزة

نظّم مركز العودة الفلسطيني ندوة إلكترونية خاصة بعنوان "كارثة غزة الصحية: شهادة جراح"، استضاف خلالها الجراح البريطاني الدكتور نك ماينارد، الذي عاد مؤخرًا من مهمة إنسانية داخل قطاع غزة، حيث عمل في مستشفيات ميدانية وسط دمار هائل ونقص شديد في المواد الأساسية.

الدكتور ماينارد، وهو استشاري جراحة الجهاز الهضمي العلوي والأورام في مستشفى جامعة أوكسفورد، تحدث بإسهاب عن معايشاته داخل المستشفيات خلال ثلاث زيارات أجراها إلى غزة منذ أكتوبر 2023، مؤكدًا أن ما شاهده يتجاوز أي تصور إنساني أو طبي، ويمثل في نظره "إبادة جماعية مكتملة الأركان".

قال ماينارد إن البنية التحتية الصحية في غزة لم تتعرض لقصف عشوائي، بل لتدمير ممنهج ومقصود، حيث تم استهداف المستشفيات الكبرى بشكل مباشر، ثم اقتحامها وتفكيك تجهيزاتها الحيوية. وأوضح أن القوات الإسرائيلية دمرت الأجهزة الطبية، ومختبرات التحاليل، ومحطات المياه والغاز، وأتلفت حتى آلات غسيل الكلى والتصوير الإشعاعي، مشيرًا إلى أن ما حدث ليس مجرد ضرر جانبي، بل سياسة متعمدة لإخراج النظام الصحي من الخدمة.

وأضاف أن الطواقم الطبية لم تسلم من الاستهداف، حيث قُتل المئات من الأطباء والممرضين، واختُطف آخرون وتعرضوا للتعذيب في السجون الإسرائيلية. ولفت إلى أن من بين الضحايا زملاء وأصدقاء عمل معهم شخصيًا على مدى سنوات، من بينهم الدكتور عدنان البرش، الذي قال إنه "تعرض للاغتصاب والتعذيب حتى الموت"، مؤكدًا أن شهادات موثقة من زملاء معتقلين سردت تفاصيل مروعة عن عمليات التعذيب التي يتعرض لها العاملون في القطاع الصحي.

وأشار ماينارد إلى أن غزة تشهد كارثة إنسانية تتمثل في تجويع السكان بشكل متعمد، مؤكدًا أنه عاين حالات لأطفال رضع فارقوا الحياة بسبب انعدام حليب الأطفال، كما لاحظ فقدانًا حادًا في الوزن بين زملائه من الأطباء والممرضين. وأكد أن السلطات الإسرائيلية صادرت شحنات من حليب الأطفال أحضرها أطباء أمريكيون معهم عند دخولهم غزة، في خطوة قال إنها "تكشف بوضوح سياسة التجويع كسلاح حرب".

وصف ماينارد أيضًا نقاط توزيع الغذاء التي تنشئها إسرائيل داخل غزة بأنها "مصائد قتل"، إذ تصل شحنات غذائية تكفي مئات، بينما يتجمهر حولها الآلاف، ثم يتم إطلاق النار على المدنيين، خصوصًا الفتية. وأشار إلى أنه عالج بنفسه عشرات المراهقين المصابين بطلقات نارية مركزة في الرأس، أو الصدر، أو الأعضاء التناسلية. وقال: "في أحد الأيام، استقبلنا أربعة فتيان جميعهم مصابون برصاص في الخصيتين فقط. من المستحيل أن يكون هذا مجرد صدفة".

وحول واقع العمل الطبي، أوضح ماينارد أن العمليات الجراحية كانت تُجرى في ظروف قاسية، في بعض الأحيان من دون تخدير أو تعقيم، ووسط نقص شديد في القفازات والمعدات. واستذكر حالة طفلة تدعى آية، كانت مصابة بكسر شديد في الساق، وتم تجبيرها في قسم الطوارئ دون أي نوع من مسكنات الألم، وعلّق بالقول: "لا زلت أسمع صراخها حتى الآن".

انتقد الطبيب البريطاني صمت المجتمع الطبي الدولي، مؤكدًا أن المؤسسات البريطانية الرسمية مثل الجمعية الطبية البريطانية، والمجالس المهنية والجامعات، تم تزويدها بالأدلة منذ الأشهر الأولى للعدوان، لكنها لم تتحرك. وقال: "من يصمت أمام هذه الجرائم شريك فيها. التواطؤ لا يكون فقط بالفعل، بل أيضًا بالصمت المتعمد". كما عبّر عن استغرابه من استمرار بعض الأطباء في تبرير موقفهم تحت ذريعة "الحياد الإنساني"، معتبرًا أن ما يحدث في غزة "ليس نزاعًا، بل عملية إبادة تُنفّذ أمام أعين الجميع".

ماينارد أكد أن إدخال الغذاء وحده لن يكون كافيًا لإنقاذ أرواح من يعانون من سوء التغذية الحاد، إذ أن العديد من الحالات تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة داخل المستشفيات، التي هي نفسها أصبحت شبه معطلة. وقال إن "إعادة إطعام الأطفال أو المرضى دون إشراف طبي قد يؤدي إلى مضاعفات قاتلة، مثل متلازمة إعادة التغذية".

وفي ختام حديثه، شدد ماينارد على أن ما رآه في غزة غيّر نظرته للعالم إلى الأبد، وأن ما دفعه للعودة مرارًا رغم المخاطر هو شعوره بالارتباط العميق بشعب غزة، الذين وصفهم بأنهم "من أكثر الشعوب إنسانية وصمودًا وشجاعة". وقال: "ما رأيته من وحشية الاحتلال لا يقل عن أسوأ ما عرفه التاريخ الحديث، لكن ما رأيته من صبر الغزيين وبطولة الطواقم الطبية هو أيضًا من أجمل ما يمكن أن يُشهد عليه".

الندوة التي استمرت لقرابة الساعة، وشهدت حضورًا واسعًا، أدارتها الباحثة هيا النتشة، واختتمت بدعوة واضحة لمواصلة التوثيق والضغط السياسي والقانوني من أجل وقف الجرائم الجارية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

 

شاهد الندوة هنا

https://www.youtube.com/live/7-TfKX5naSI?si

 

رابط مختصر : https://prc.org.uk/ar/post/5018