قاسم س. قاسم - جريدة الأخبار- «أخجل من نفسي وأنا أشاهد هذه المناظر»، يقول النائب العمالي البريطاني جيرالد كوفمان، وهو يسير في مخيم برج البراجنة. لم تمنع السنوات الثمانون، والأمطار التي هطلت أمس بغزارة، الرجل من إكمال مشواره في المخيم. بل إنّ الأمطار أظهرت الواقع الحقيقي الذي يعيشه أبناء المخيم مع كل «زخة» مطر.
هكذا، غطست أقدام بعض المشاركين في الوفد البرلماني الأوروبي بالوحول لتصل إلى كواحلهم. سار هؤلاء بحذر تحت الأسلاك الكهربائية المتدلية في فضاء المخيم، بدعوة من منظمة ثابت لحق العودة.أكد البرلمانيون الثمانية أنّ الواقع الذي شاهدوه أحدث صدمة لهم وحافزاً ليقدموا إلى حكوماتهم مشاريع قوانين تدعم المخيمات الفلسطينية في لبنان. هذا على الأقل الكلام الذي أعلنوه خلال زيارتهم لرئيس الجمهورية ميشال سليمان. أما منظمة «ثابت» فاختارت المناطق التي سيزورها الوفد في المخيم بعناية شديدة، ولم تفعل كما تفعل وكالة الأونروا التي كلما زارها وفد جالت به في الشوارع الرئيسية للمخيّمات. آثرت المنظمة أن تطوف بالزوار في أضيق أزقة المخيم. أزقة لا يستطيع أن يسير فيها اثنان جنباً الى جنب. أزقة لا يظهر فيها فضاء المخيم نتيجة تشابك الأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه.هكذا، تولى علي هويدي المدير العام للمنظمة شرح تاريخ المخيم والواقع الذي يعيشه أبناؤه حالياً. يشير هويدي بيده، «هنا بيوت بلا أساسات، كما يمكنكم أن تشمّوا رائحة المياه الآسنة التي تطوف في الشتاء، إضافة إلى عدم وجود مياه صالحة للشرب». خلال جولتهم الاستطلاعية، كان النواب يلتقطون الصور للمكان ولشعارات الفصائل الفلسطينية. أصرّ بعضهم على أن يتصور بالقرب من الأسلاك الكهربائية التي «لم يستطيعوا تمييزها عن خراطيم المياه»، كما يقول أحد المشاركين ضاحكاً. بالنسبة إلى النواب كان الحافز الأول لزيارة هذه المخيمات هو التعرفّ إليها عن كثب، وخصوصاً أنّ سمعة سوء الأحوال المعيشية فيها قد اجتازت البحار. ما يعرفه النواب عن المخيمات ليس ما تظهره بعض الوسائل الإعلامية من مشاكل وصراعات وقعت فيها. فهم سمعوا ما كان ينقله لهم الناشطون الذين سبقوهم في الاطّلاع عليها. لم يكن الرجل اليهودي المعادي للصهيونية كما جرى التعريف عنه يعرف ماذا سيرى، على الرغم من «أنني زرت مخيمات رام الله، غزة، الأردن وسوريا»، كما قال لـ«الأخبار». «بالفعل، إنني أعيش أسوأ أحلامي، لكنني أعيشها لمدة يومين فقط. لكن، كيف يستطيع هؤلاء أن يستمروا في هذه الحال؟»، يقول الرجل. بعد الجولة السريعة في مخيم البرج، توجّه المشاركون الى مخيم شاتيلا، حيث وقفوا بصمت أمام ضريح شهداء المجزرة. خلعوا قبعاتهم احتراماً للموتى. وضعوا إكليلاً من الزهر ليطلق كوفمان وعداً بأنه «سنصارع لإظهار معاناة الشعب الفلسطيني في كل مكان، ولتحقيق عودتهم الى أراضيهم». يضيف: «هذه أسوأ مجزرة شهدها التاريخ الحديث، فالآلاف ممن طردهم الجيش الإسرائيلي قتلوا، يجب أن لا ننسى أن الإسرائيليين يبخّسون حياة من هو غير إسرائيلي». تنتهي كلمة الرجل ويتوجه الوفد إلى منزل أبو عمر ديب في شاتيلا. فالرجل الثمانيني هجر فلسطين وهو ابن 18 عاماً. سمع الحضور من أبي عمر عن قريته البروة، وكيف كان يعمل في الحقل مع والده. كما سمعوا منه ما اختزنه من ذكريات بشأن مجزرة صبرا وشاتيلا. تحدث ديب كيف أن بعض أقربائه لا يزالون في أراضي 1948. يعلق أحد النواب الاسكتلنديين: «لقد أرسل الإنكليز أبناءنا، عندما كانوا يحتلوننا، إلى أميركا لنجلب لهم الماعز، وذلك بهدف تشتيت العائلات». كلمة إنكليز تسترعي انتباه أبي عمر الذي علقّ سريعاً من دون الحاجة إلى مساعدة المترجم: «أصل البلاء كله من الإنكليز، فهم من أعطوا بلادنا لليهود».